عباس عبدالرزاق
تشكل زيارة أحمد الشرع إلى البيت الأبيض نقطة تحوّل في مسار الصراع السوري، إذ منحت الشرعية لمقاربة سياسية جديدة، وفتحت الباب أمام إعادة هيكلة العلاقات الدولية في سوريا، خصوصًا في المناطق الخاضعة للنفوذ الأمريكي شرق الفرات. أكثر الدول تأثرًا بالتحول كانت تركيا، التي وجدت نفسها أمام إعادة تموضع للقوى الكردية، وتحول في موقع دمشق الدولي، وتراجع في قدرتها على التحكم في مسارات شمال سوريا. وتخلص الورقة إلى أن تركيا أمام ثلاثة خيارات رئيسية: التصعيد العسكري، التفاوض، أو إدارة الأزمة دون حلّ. كما تشير إلى أن السنوات الخمس المقبلة ستكون حاسمة في تحديد شكل العلاقة الكردية–التركية ومستقبل الترتيبات في شمال سوريا منذ العام 2014 أصبح المشهد السوري متعدد المستويات: صراع دولي، تنافس إقليمي، صراع داخلي، وصعود دور الفاعلين غير الدوليين. وقد استطاعت واشنطن تثبيت موطئ قدم قوي شرق الفرات عبر تحالفها مع قوات سوريا الديمقراطية. تركيا، من جهتها، رأت في الصعود الكردي تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، فدخلت بسلسلة عمليات عسكرية. لكن زيارة الشرع غيّرت قواعد اللعبة، ووضعت الجميع أمام مراجعة إجبارية.
تالسياق الدولي: واشنطن تعيد سوريا إلى الطاولة
أرادت واشنطن من زيارة الشرع إرسال خمس رسائل أساسية: إعادة الاعتراف بوجود سياسي سوري قابل للتفاوض، تثبيت النفوذ الأمريكي شرق الفرات، تقوية الحضور الكردي على حساب الأطراف الإقليمية، إعادة تشكيل العلاقة السورية–التركية تحت سقف أمريكي، ومنع روسيا وإيران من احتكار الملف السوري.
أثر زيارة الشرع على المعادلة الإقليمية
أدت الزيارة إلى تعزيز مكانة دمشق في النظام الدولي، وضع الأكراد في موقع تفاوضي أعلى، تقليص هامش المناورة التركي، فرض خطوط جديدة على الترتيبات الأمنية، وبدء تشكل تحالفات جديدة.
التحولات داخل تركيا
تركيا فوجئت بأن واشنطن تتحرك نحو تسوية سياسية دون التنسيق معها، أعادت فتح ملف عبدالله أوجلان، تراجع الخطاب الأمني التقليدي، وتآكل القدرة على الاستثمار الداخلي في الورقة الكردية.
الملف الكردي بعد الزيارة
واشنطن نقلت الملف الكردي من مستوى تكتيكي إلى مستوى استراتيجي، ومن شراكة عسكرية إلى شراكة سياسية. وهذا يعزز موقع الأكراد في أي مفاوضات مستقبلية ويؤسس لإمكانية حكم ذاتي أو فيدرالية مرنة.
انعكاسات الزيارة على العلاقة التركية–الأمريكية
توتر في ثلاثة ملفات: مستقبل القوى الكردية شرق الفرات، منظومات الدفاع، وترتيبات الحدود الشمالية. واشنطن تراهن على الضغط وليس المواجهة لدفع أنقرة نحو تسوية سياسية.
انعكاسات الزيارة على دمشق
تحصل دمشق على اعتراف دولي تدريجي، دخول جديد إلى المعادلات الأمنية، فرصة للتفاوض على توازن جديد في الشمال، ودعم أمريكي غير مباشر لحل سياسي شامل.
خيارات تركيا الاستراتيجية
الخيار الأول: التصعيد العسكري. الخيار الثاني: التفاوض السياسي. الخيار الثالث: إدارة الأزمة دون حل.
السيناريوهات المستقبلية
السيناريو الأول: تسوية سياسية مدعومة أمريكيًا. السيناريو الثاني: تصعيد عسكري محدود. السيناريو الثالث: انفتاح تركي على دمشق. السيناريو الرابع: تثبيت نموذج فيدرالي شرق الفرات.
تقييم المخاطر
مخاطر سياسية: تراجع نفوذ تركيا الإقليمي، صعود دور الأكراد. مخاطر أمنية: احتمال صدام تركي–أمريكي محدود. مخاطر داخلية: تغير المزاج الكردي–التركي. مخاطر اقتصادية: تكاليف العمليات العسكرية واستنزاف الموارد.
التوصيات السياسية
لتركيا: عدم المضيّ نحو التصعيد العسكري الشامل، فتح قنوات غير مباشرة مع القوى الكردية، إعادة تقييم العلاقة مع واشنطن، الاستثمار في تفاهمات أمنية–سياسية مع دمشق، إعادة إطلاق مسار داخلي لمعالجة القضية الكردية. للولايات المتحدة: دعم ترتيبات سياسية طويلة الأمد شرق الفرات، الضغط نحو توافق تركي–كردي–سوري، منع التصعيد العسكري، رعاية مسار حوار جديد بين أنقرة والقوى الكردية. للقوى الكردية: الحفاظ على التوازن بين واشنطن ودمشق، بناء استراتيجية تفاوض طويلة الأمد مع تركيا، تجنب القطيعة الجذرية مع أنقرة، إعداد مشروع حكم متماسك قابل للتوافق الإقليمي. لدمشق: استثمار اللحظة السياسية الجديدة، القبول بترتيبات حكم محلي، إعادة بناء الثقة مع القوى الكردية، التعاون مع واشنطن في ملفات استقرار الشمال.
الخلاصة
زيارة الشرع ليست مجرد حدث دبلوماسي، بل هي نقطة تحوّل بنيوية تعيد تشكيل ثلاثة ملفات متشابكة: تركيا، الملف الكردي، وتوازنات الشمال السوري. وفي ضوء التحولات الجارية، يبدو أن مستقبل المنطقة سيُصاغ من خلال مزيج من التفاوض والضغط والتكيف، وليس عبر القوة العسكرية فقط.

