سوران الداوودي
حملة إعلامية لافتة أطلقها الحزب الديمقراطي الكردستاني حول حادثة قصف حقل كورمور الغازي. حملة ابتعدت عن الأطر المهنية وأبجديات العمل الإعلامي، وتجاوزت حدود الأخلاق والمسؤولية، لتتحول إلى موجة من الاتهامات الجاهزة وفبركة الروايات قبل صدور أي حقيقة أو نتيجة رسمية.
فمنذ اللحظة الأولى للقصف، لم تنتظر وسائل إعلام الحزب الديمقراطي أي نتائج للتحقيقات، ولم تحاول التريث أو الالتزام بالتحليل الموضوعي. بل سارعت إلى توجيه أصابع الاتهام نحو الاتحاد الوطني الكردستاني، في تصرف اكدت الذهنية السياسية التي تتعامل مع كل حدث باعتباره فرصة للهجوم، حتى لو جاء ذلك على حساب الحقيقة وعلى حساب أمن الإقليم وهيبته.
لم يكن ما جرى ويجري مجرد خطأ إعلامي عابر، بل جزءا من حملة منظمة استهدفت خلط الأوراق وصياغة رواية سياسية مسبقة. رواية اعتمدت على إثارة الجمهور بخطاب عاطفي، وتأجيج الخلافات الحزبية، وتقديم سيناريوهات لا علاقة لها بالواقع. والغريب أن هذه الرواية سُوّقت قبل أي إعلان رسمي أو أمني، وكأن الاتهام جاهز، والفاعل محدد سلفا، وما بقي هو إطلاقه إلى العلن.
ولم تقتصر الإشكالية على الخطاب الإعلامي فقط، بل تضاعفت مع تناقض تصريحات عدد من قيادات الحزب الديمقراطي أنفسهم مع ما تروّج له منصاتهم الإعلامية. فبينما تبني بعض القنوات الحزبية رواية اتهامية حاسمة، يقدّم بعض القياديين روايات مختلفـة أو مخففة، ما يعكس غياب الاتساق ويفتح الباب أمام تساؤلات جدية حول دوافع الحملة وأهدافها الحقيقية.
اليوم، وبعد مرور يوم على العملية الإرهابية، بدأت الحقائق تتكشف وتظهر هشاشة الخطاب الذي روجته تلك المنصات. ظهرت التناقضات بوضوح، واتسعت الفجوة بين ما جرى على الأرض وما تم الترويج له إعلاميًا. وأوضحت الوقائع أن الخطاب الأولي لم يكن سوى محاولة للهروب من مسؤوليات معينة، أو لتوجيه الرأي العام بما يخدم أجندات سياسية ضيقة.
إن استغلال حدث خطير بحجم قصف منشأة اقتصادية استراتيجية لتصفية حسابات حزبية لا يمثل فقط انحدارا إعلاميا، بل يشكل خطرا حقيقيا على وحدة الإقليم وصورته أمام الرأي العام. فالتعامل مع القضايا الأمنية بمنطق الدعاية يفقد الإعلام مصداقيته ويضعف الثقة بالمؤسسات، ويخلق أرضية خصبة للفوضى.
والمطلوب الآن ليس المزيد من الحملات الدعائية، بل خطاب مسؤول يتناسب مع خطورة المرحلة، ويدعم الأجهزة المختصة في كشف الجناة الحقيقيين. فالقضية أكبر من أن تُستغل كورقة ضغط، وأعمق من أن تُختصر في تصريحات متعجلة.
يجب ان يغرف هؤلاء ان الإعلام حين يتحول إلى أداة للتحريض يفقد شرعيته، وحين يبتعد عن الحقيقة يسقط مهما اتسعت منصاته وتعددت إمكاناته. أما الحقيقة، فتبقى أقوى من كل الضجيج ومن كل الروايات المصطنعة.

