كل الأوطان لها تأريخ، وتاريخها مليء بالأحداث والتغيرات والمتغيرات والثوابت الوطنية والاجتماعية والثقافية والسياسية، ومما لاشك فيه أن الدول منذ نشأتها الطبيعة الأولى أو منذ نشوء الدولة بمنظورها وتعريفها السياسي والقانوني المعروف في هذا اليوم، قد مرت بمراحل تأريخية وحقب تأريخية مختلفة عاصرت فيها الشعوب حكوماتها والأحداث السياسية والقتصادية والطبيعية والعالمية التي شهدتها تلكم الشعوب وتلكم الأوطان والدول، كما هو الحال مع الشعوب نظيراتها وجيرانها من مختلف دول هذا العالم الصغير المتشابك والمتكامل.
كوكب مليء بالصراعات والصدامات والحروب والنزاعات السياسية والمسلحة تخسر فيها الشعوب كل شيء جميل تملكها وهي الأرواح الطاهرة والبريئة وتفقد أبناءها حتى يكاد يكون السلام والأمان والاستقرار أزمة عالمية وخاصة الشعوب البسيطة التي لاترف لها عين لأنها اعتادت أن تعيش على دوي الحروب وهول النزاعات ورائحة البارود، أنها حقاً متعطشة للسلام والاستقرار والأمان والطمانينة.
هذه الجفرافية التي ولدت نتاج مخاض عسير بين الدول المنتصرة والدول الخاسرة إبان الحرب العالمية الأولى وسميت بالمملكة العراقية 1921 أي العراق الملكي الدستوري، والذي جيء لها بملك من خارج العراق من الأسرة الهاشمية نصب فيها على هذه المملكة الفتية حتى بدأت الوزارات العراقية في العراق تتشكل لتكوين وإنشاء مؤسسات الدولة وإرساء الحكم الملكي تحت إمره الملك وإرادته المطلقة.
لكن التعقيد السكاني والمذهبي والقومي والنسيج الاجتماعي المتداخل والتكوين المختلف والمتلون كانت فريسة سهلة لأعداء وخصوم هذا الوطن. هنا بدأت الصراعات السياسية والقومية فتغيرت مساحات ونتجت عنها نتائج محتلفة مختلفة ابتداء من سلسلة من انقلابات العسكرية كانت أولها إسقاط الملكية 1958 وإنهاء العهد الملكي وبدء العهد الجمهوري، حتى وصول عبدالكريم القاسم غلى سدة الحكم ومن ثم الرؤساء اللاحقين وانتهاء بالطاغية صدام حسين والحقبة الديكتاتورية التي قاربت ثلاثة عقود تقريباً، لم تسلم منها حتى الطبيعة الخلابة لهذا الطغيان من النار والبارود والحديد ومن جراء الظلم والاستبداد والقمع والتهجير القسري والترحيل و عمليات الأنفال المتتالية والإبادة الجماعية وجرائم الحرب ضد أبناء هذا الوطن الجريح، أصبح الوطن مملكة وجمهورية للرعب والخوف والألم من جهة ومن جهة أخرى رمزا للمقاومة والنضال ضد السياسيات القمعية لهذا الطغيان.
حقا إنه وطن جريح ومنكوب ينزيف دماً وكان حقاً مشروعا وتاريخيا أن يتطلع أبناء هذا الوطن إلى الحياة الحرة الكريمة بما يليق به .
ومنذ 9/4/2003 ولحد هذه الحظة لم تستطع السلطة توفير المناخ الديموقراطي الملائم لهذا الشعب القوي في حكومة فيدرالية وفقاً لأول دستور منتخب عام 2005 ، ونالت من أبناءها مرة أخرى الحرب الطائفية والمذهبية واحتلال مساحات واسعة من قبل القاعدة الداعش والتنظيمات الإرهابية المتطرفة، فتشوهت مساءات وصباحات هذا الوطن الجميل فأجهضت وقتلت قرى ودمرت على بكرة أبيها، أي ذاكرة وطن هذه ومازال صراخ الأطفال في الأنفال و رائحة التفاح الممزوج بالكيمياوي وصراخات النساء والأمهات والأخوات والزوجات على أبنائها المجازر الجماعية تزيد من ثقل ووطىء الليل ورعبها، حتى أن المنازل والدور والبيوت و الاسر باتت باحات لعزاء دائم ومآتم مستمرة، بلدُ ذاكرته جريحة وثقافته حزينة وكئيبة نتناولها يوما بعد يوم، نحن أبناء هذا الشعب حتى وإن كل الجبال والوديان والبساتين والحقول تنبعث منها رائحة الشهداء والدم الزكي لأبناء الوطن وطن أمست ذاكرتها محيط من الأحزان والويلات والحروب.
المحامية هيڤار محمد عمر