الكاتب..ذوالفقار السلطاني
المصدر .. الصباح
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي اليوم جزءًا محوريًا في تشكيل الرأي العام وصناعة المحتوى وتوجيه اهتمامات الجمهور. ورغم أن المستخدم يقضي ساعات طويلة في التصفح، إلا أن ما يظهر أمامه ليس صدفة، بل نتيجة مباشرة لخوارزميات معقدة صمّمتها الشركات للتحكم في ترتيب المحتوى وتفضيله. هذه الخوارزميات تعمل في الخلفية بشكل متواصل، لتقييم كل منشور وتحديد مدى أهميته وفائدته للمستخدم.
تعتمد منصات مثل الـ”فيسبوك، إنستغرام، تيك توك ويوتيوب” على مجموعة من الإشارات الذكية التي تحدد أولوية المحتوى. في مقدمة هذه الإشارات يأتي سلوك المستخدم؛ فالمنصة تقيس مدة المشاهدة، التفاعل، المشاركات، وحتى نوع المحتوى الذي يفضّله الشخص عادة. فإذا كان المستخدم يحب مقاطع الفيديو القصيرة، أو يتفاعل مع الأخبار، أو يفضّل محتوى الترفيه، ستعمل المنصة على إظهار المزيد من هذا النوع بشكل تلقائي.
عامل آخر مهم هو جودة المحتوى، والتي تُقيَّم من خلال مدى التفاعل الذي يحصل عليه المنشور في دقائقه الأولى. فإذا حقق المنشور اعجابات وتعليقات ومشاهدات سريعة، ترى الخوارزمية أن المحتوى “قابل للانتشار”، فتقوم بدفعه إلى جمهور أوسع. بينما يؤدّي ضعف التفاعل المبكر إلى تراجع فرص ظهوره، مهما كان المحتوى جيدًا.
إضافة إلى ذلك، تلعب الوسوم (الهاشتاغ) والدقة في وصف المنشور دورًا أساسيًا في فهم الخوارزمية لطبيعة المحتوى وربطه بالجمهور المناسب. كما تأخذ المنصات بعين الاعتبار العلاقات الشخصية؛ فالمحتوى الذي يأتي من حسابات يتفاعل معها المستخدم باستمرار، سيظهر أولاً ضمن صفحته حتى لو لم يكن الأكثر انتشارًا.
أما في منصات تعتمد على الذكاء الاصطناعي بشكل كبير، مثل “تيك توك”، فإن الخوارزمية لا تهتم بعدد المتابعين بقدر ما تهتم بالأداء الفعلي للفيديو. لذلك من الممكن أن يحصل حساب جديد على ملايين المشاهدات إذا كان المحتوى جذابًا وحقق نسب استمرار مشاهدة عالية.
تسعى هذه الخوارزميات في نهاية المطاف إلى إبقاء المستخدم أطول وقت ممكن داخل المنصة، لأن زيادة مدة الاستخدام تعني المزيد من الإعلانات والمكاسب المالية. ولهذا السبب تتطور الخوارزميات باستمرار، وتصبح أكثر دقة في قراءة سلوك الإنسان وتوقع اهتماماته.
ورغم الفوائد الكبيرة لهذا النظام، يطرح خبراء الإعلام مخاوف تتعلق بتأثير الخوارزميات على الوعي العام، وخلق “فقاعات معلومات”، تجعل كل مستخدم يعيش داخل دائرة اهتماماته فقط، دون التعرّف على الآراء المخالفة أو المحتوى المتنوع.
في النهاية، فهم آلية عمل خوارزميات النشر يساعد صانعي المحتوى والجمهور على التعامل بذكاء مع المنصات، والوصول إلى أعلى درجات الانتشار بطريقة مدروسة وواعية.