البابا ليو الرابع عشر في تركيا ولبنان:
زيارة دينية تحمل رسائل سياسية واستراتيجية
عباس عبدالرزاق
مقدمة
زيارة البابا ليو الرابع عشر إلى تركيا ولبنان في ديسمبر 2025 هي حدث عالمي متشابك الأبعاد، يجمع بين الدين والسياسة والجغرافيا الاستراتيجية. رغم تصوير الزيارة إعلامياً كحدث روحاني، إلا أن تحليل السياق يشير إلى أن لها أبعاداً سياسية
وجيوستراتيجية ودبلوماسية عميقة.
تُظهر هذه الزيارة كيف يمكن استثمار الرمزية التاريخية للمسيحية في السياسة الدولية، وكيف يمكن للكنيسة أن تكون أداة نفوذ دولي ضمن صراعات القوى الكبرى، خاصة بين الولايات المتحدة وروسيا.
الخلفية التاريخية
1. تركيا والمسيحية الأولى
تركيا الحديثة كانت قلب المسيحية الأولى، وتحتضن مواقع دينية حاسمة:
إزنيق (نيقية): عقد هنا المجمع المسكوني الأول عام 325م، حيث وضع الإمبراطور قسطنطين أسس العقيدة المسيحية الموحدة. هذا المجمع وحد التعاليم الدينية وأعطى الكنيسة البنية الرسمية الأولى التي نعرفها اليوم.
إسطنبول (الفنار): مقر البطريركية المسكونية الأرثوذكسية، المرجعية العليا للأرثوذكسية خارج روسيا. يرمز الفنار إلى السلطة التاريخية للأرثوذكسية ويعتبر مركزًا استراتيجيًا للصراع الكنسي الدولي.
أنطاكيا وأفسس والقسطنطكية: مواقع تاريخية أخرى تشهد على عمق المسيحية في الأناضول، والتي ما زالت تملك رمزية قوية في السياسة الدينية.
2. لبنان والتوازن المسيحي
لبنان يحافظ على تنوع مسيحي مهم، ويُعد آخر مركز سياسي مؤثر للمسيحيين في الشرق الأوسط، بما يشمل: ( الموارنة ، الروم الكاثوليك ، الأرثوذكس
الطوائف المسيحية الصغيرة الأخرى ) زيارة البابا هناك تهدف إلى تعزيز حضور الفاتيكان، دعم الاستقرار الديني، وحماية التوازن الطائفي في منطقة تمثل صراع النفوذ الديني والسياسي.
الأبعاد السياسية للزيارة
1. البعد الجيوستراتيجي
الزيارة لها أهمية خاصة ضمن الصراع الدولي بين الولايات المتحدة وروسيا: الكنيسة الأرثوذكسية الروسية تُستخدم أداة نفوذ لبوتين، خصوصًا في أوكرانيا وشرق أوروبا. دعم الفاتيكان للفنار يمثل جزءاً من استراتيجية غربية لتقليص النفوذ الروسي، وتوجيه الأرثوذكسية بعيدًا عن موسكو. تركيا تُستثمر كمنصة مركزية لتقوية الفنار كمرجعية أرثوذكسية مستقلة، دون مواجهة مباشرة مع موسكو، لكن ضمن إطار توازن النفوذ في المنطقة.
2. بعد دبلوماسي تركي
أردوغان بعث دعوة رسمية للبابا فور تنصيبه، مستغلاً وفاته المفاجئة للبابا فرانسيس الذي كان ينوي زيارة نيقية عام 2025. تركيا تستفيد دبلوماسياً من هذه الزيارة لتعزيز صورتها كحامي للتراث المسيحي، وكحلقة وصل بين الشرق والغرب.
3. بعد ديني ورمزي
زيارة إزنيق تمثل إحياءً لذكرى مرور 1700 سنة على المجمع المسكوني الأول. زيارة الفنار في إسطنبول تمثل رسالة للفاتيكان والدول الغربيةحول استقلالية المرجعية الأرثوذكسية عن موسكو. زيارة لبنان تعكس حرص الفاتيكان على حماية التنوع الديني في الشرق الأوسط.
تحليل ميداني للزيارة
1. إزنيق (نيقية) المكان الذي تأسست فيه العقيدة المسيحية الموحدة. زيارة البابا هنا تخلق رابطًا بين التاريخ والحاضر، وتضفي شرعية روحية على الرسائل السياسية للزيارة.
2. الفنار (إسطنبول)
مقر البطريركية المسكونية الأرثوذكسية، الأقدم في العالم.
يمثل نقطة قوة رمزية للغرب ضد النفوذ الروسي، خصوصًا في سياق دعم الكنيسة الأوكرانية المستقلة.
زيارة البابا تعزز مكانة الفنار كمركز استراتيجي أرثوذكسي، ما يجعل تركيا لاعبًا دبلوماسيًا رئيسيًا في صراع النفوذ الكنسي.
3. لبنان
تعزيز استقرار الطوائف المسيحية.
إبراز دور الفاتيكان كوسيط دولي.رسالة رمزية مفادها أن الغرب والفاتيكان لا يتجاهلان مصير المسيحيين في الشرق الأوسط.
ردود الفعل الدولية
الولايات المتحدة: دعمت الزيارة ضمن سياستها لتقليص النفوذ الروسي في الكنائس الأرثوذكسية، خصوصًا بعد الحرب في أوكرانيا.
روسيا: أبدت حذرًا شديدًا خوفًا من أي محاولة لتوحيد الأرثوذكسية تحت الفنار.
تركيا: نجحت في تحويل الزيارة إلى رسالة دبلوماسية دولية تعزز صورتها الإقليمية والدولية.
لبنان: اعتبرت الزيارة تأكيدًا على الاهتمام الدولي بالمجتمع المسيحي المتنوع والمحافظة على التوازن الطائفي.
السيناريوهات المستقبلية
1. توحيد الكنائس الأرثوذكسية تحت الفنار: احتمال ضعيف لكنه يمثل تهديدًا مباشرًا للكنيسة الروسية.
2. تأسيس محور مسيحي–ديني يضم تركيا والفاتيكان ولبنان: لدعم مصالح الغرب في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية.
3. تعزيز دور لبنان كوسيط مسيحي في الشرق الأوسط: يحمي التوازن الطائفي ويقلص النفوذ الروسي أو الإيراني.
4. توتر روسي–تركي محتمل: في حال اعتبرت موسكو أن تركيا تتدخل في شؤون الأرثوذكسية بشكل يضر مصالحها.
الرمزية التاريخية والدينية
إحياء المجمع المسكوني الأول بعد 1700 سنة.
تعزيز الفنار كمركز مستقل.
تعزيز العلاقات بين الكنائس الغربية والشرقية.
هذه الزيارة ليست مجرد بروتوكول، بل رسالة استراتيجية للعالم تجمع الدين والسياسة والرمزية التاريخية.
جداول زمنية ومواقع تاريخية مقترحە
الرقم الموقع الأهمية
1 إزنيق (نيقية) عقد المجمع المسكوني الأول 325م
2 إسطنبول (الفنار) مقر البطريركية المسكونية الأرثوذكسية
3 أنطاكيا مركز تاريخي للمسيحية الشرقية
4 لبنان تعزيز التوازن المسيحي
5 خريطة الكنائس الأرثوذكسية توضيح النفوذ الروسي والفنار في الشرق
خاتمة
زيارة البابا ليو الرابع عشر إلى تركيا ولبنان تمثل نموذجاً حيًا لتقاطع الدين بالسياسة الدولية. فهي تجمع بين: النفوذ الفاتيكاني في الشرق. و مواجهة النفوذ الروسي الأرثوذكسي. و إبراز تركيا ولبنان كأرض محورية للكنائس الشرقية. استثمار التاريخ والرمزية في صياغة رسالة سياسية ودبلوماسية عالمية.
إنها زيارة تُظهر كيف يمكن للرمزية الدينية أن تتحول إلى أداة نفوذ دولية واستراتيجية، وتعيد ترتيب خريطة التأثير في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية.

