*محمد شيخ عثمان
العلم الكردستاني ليس تفصيلا شكليا في المشهد العراقي، ولا رمزا ثانويا يرفع على الهامش او عند الحاجة الى التطمين السياسي. انه راية لها تاريخها وشرعيتها ومكانتها القانونية والوطنية، وقد ثبتت هذه المكانة بنصوص الدستور العراقي نفسه، لا بخطاب عاطفي ولا بفرض امر واقع.
ان التعامل مع العلم الكردستاني بوصفه ملحقا بالعلم الاتحادي او امتيازا مؤقتا، يعكس فهما قاصرا لطبيعة الدولة العراقية بعد عام 2003، ولجوهر النظام الاتحادي الذي اختاره العراقيون بارادتهم. فالدستور لم ينشئ اقليما تابعا، بل اعترف بكيان اتحادي قائم، له مؤسساته المنتخبة وصلاحياته التشريعية ورموزه المعبرة عن هويته السياسية والتاريخية.
العلم الكردستاني ليس منافسا للعلم العراقي، لكنه ايضا ليس ظلا له. هو علم اقليم اتحادي يتمتع بشرعية دستورية كاملة داخل حدوده الجغرافية والسياسية، ويرفرف فوق مؤسسات اقليم كردستان الرسمية، وفي مقرات الاحزاب الكردستانية، مع العلم الاتحادي، باعتباره تعبيرا عن هوية سياسية معترف بها دستوريا، لا نزوة قومية ولا خروجا على الدولة.
اما اختزال هذا العلم في خطاب النزعة القومية الضيقة فهو اجحاف تاريخي واخلاقي فالتاريخ يشهد ان هذه الراية لم تكن يوما غطاء للاستبداد او اداة للقمع، ولم ترفع فوق سجون التعذيب او منصات الاعدام. وعلى العكس، ارتبطت بذاكرة المقاومة وبسنوات طويلة من الحرمان والاضطهاد، وبنضال شعب طالب بحقه في الحرية والاعتراف، لا في الهيمنة او الاقصاء.
كما انه لا توجد حساسية كردية تجاه العلم الاتحادي الحالي، لاسيما ان العلم العراقي السابق الذي ارتبط بعهد النظام الصدامي تم تغييره استجابة لمطالب اقليم كردستان، وبالتوافق مع القوى السياسية العراقية. وقد جرى الاتفاق حينها على اعتماد العلم الحالي بصيغته المعروفة بشكل مؤقت، الى حين التوصل الى علم جديد يمثل العراق بكل مكوناته واطيافه وتاريخه المتعدد، وهو ما يعكس حرص الكرد على الشراكة الوطنية لا القطيعة.
ان تخصيص يوم رسمي للعلم الكردستاني لم يكن عملا رمزيا معزولا، بل قرارا صادرا عن برلمان اقليم كردستان، المؤسسة التشريعية المنتخبة، في ممارسة طبيعية لصلاحياته الدستورية التي يعترف بها الدستور العراقي. وقرارات برلمان الاقليم، اسوة ببقية المؤسسات الدستورية، تستمد شرعيتها من هذا الاعتراف ولا تخضع للمزاج السياسي او الحملات الاعلامية الموسمية.
من الخطا، بل من الخطورة، تحويل النقاش حول العلم الكردستاني الى ساحة تشكيك بالحقوق الدستورية او اختبار للولاءات الوطنية. فالوطنية في الدول الاتحادية لا تقاس بانكار الخصوصيات، بل باحترامها وتنظيمها ضمن اطار قانوني جامع. والعلم الكردستاني، في هذا المعنى، ليس تهديدا لوحدة العراق، بل احد تعبيراتها الحديثة.
ان العراق الذي يتسع لقومياته واديانه ومذاهبه، يجب ان يتسع ايضا لرموزه الدستورية المتعددة، ما دامت منسجمة مع الدستور وارادة المواطنين. واي محاولة لتقزيم العلم الكردستاني او التعامل معه كرمز قابل للتشكيك او المساومة، ليست دفاعا عن الدولة، بل ارتدادا عن فلسفة الدولة الاتحادية نفسها.
ومن الناحية القانونية والدستورية، فان الدستور العراقي لعام 2005 حسم هذا الجدل بشكل واضح، اذ نص في المادة الاولى على ان العراق دولة اتحادية، واعترف في المادة 117 باقليم كردستان بوصفه اقليما قائما يتمتع بسلطاته الدستورية. كما منحت المواد 121 و122 سلطات الاقاليم صلاحيات تشريعية وتنفيذية واسعة في ادارة شؤونها، بما في ذلك تنظيم مؤسساتها واعتماد رموزها الادارية والثقافية، على ان لا تتعارض مع السيادة الاتحادية.
وبموجب هذه النصوص، فان قرارات برلمان اقليم كردستان، بما فيها قرار تخصيص يوم رسمي للعلم الكردستاني واعتماد رفعه داخل مؤسسات الاقليم، تعد قرارات دستورية نافذة، ولا يمكن الطعن في مشروعيتها من منطلق سياسي او اعلامي، ما دامت منسجمة مع الاطار الاتحادي العام الذي اقره الدستور وصوت عليه العراقيون.
ليست المشكلة في الاعلام التي ترفرف، بل في الذهنيات التي ترفض الاعتراف بان العراق لم يعد دولة بلون واحد ولا بذاكرة واحدة ولا براية واحدة داخل فضائه الاتحادي.


