د.عدالت عبدالله
تُعد إشكالية توزيع الثروة والسلطة من أبرز الإشكاليات السياسية والإدارية في أي بلد عموماً. فلا توجد دولة يمكنها الادعاء بأنها نجحت نجاحاً تاماً في محو هذه الإشكالية، وحتى الدول الأكثر ديمقراطية في العالم لم تفلح نهائياً في حسم هذا التحدي.
ورغم الجهود الدؤوبة ومساعي المؤسسات المعنية لتحقيق ما يمكن تحقيقه في هذا المضمار، وبالتالي الحد من تداعيات هذه الإشكالية، التي يعتبرها بعض المفكرين أزلية، كما يذهب إلى ذلك المفكر العربي-الأمريكي إدوارد سعيد(1935-2003م) حين يذكرنا بأن العدل مطلب أزلي نظراً لعدم تحققه حتى الآن على وجه المعمورة، فإن الإشكالية ظلت على حالها، طاغية ومتواصلة، وإن بتجليات نسبية مختلفة تبعاً لوقائع الدول والمجتمعات وأحوالها السياسية والاقتصادية والإدارية ونُظم الحكم فيها.
إن التذكير بهذه المسلمة لا يعني تبرير الظاهرة أو التعامل معها بوصفها أمراً محتوماً، بل على العكس تماماً، إذ لا ينبغي لأي نظام سياسي أن يتسلح بذريعة تفشي هذه الظاهرة عالمياً. صحيح أن انعدام التوزيع العادل للثروة والسلطة يُعد ظاهرة معولمة، لا سيما مع تصاعد روح الرأسمالية، وتراجع دور الدولة ومؤسساتها في إدارة المجتمع، وهيمنة مفهوم الخصخصة، وبروز دور الشركات والقطاع الخاص في توجيه شؤون البلاد والعباد، إلا أن عالمية الظاهرة لا تعني تساوي مواقع الدول وإمكاناتها وخططها وأدوارها ووظائفها.
كما أن هذه الإشكالية تختلف في مظاهرها وقضاياها وملفاتها من دولة إلى أخرى، أي أن لكل دولة حالة خاصة بها، إلى جانب القواسم المشتركة بينها في مواجهة هذا التحدي، وبناءً على ذلك تستدعي خصوصية الأوضاع بلورة منظور خاص لسبل المواجهة.
وفي إقليم كردستان العراق، على سبيل المثال، لا تأتي هذه الإشكالية بوصفها صنيعة خارجية لا حول للدولة فيها ولا قوة، بل هي إشكالية داخلية بامتياز، تتمثل في انعدام الروح الوطنية وهيمنة البنية الذهنية المناطقية الضيقة لدى عدد كبير من المتنفذين في مؤسسات الإقليم و حتى العراق أحياناً، ولا سيما أصحاب القرار والمتربعين على عروش السلطة. فالإشكالية هنا أن من يصنع فراغ العدالة الاجتماعية في المجتمع، ويتحمل في الوقت نفسه مسؤولية شؤون الإعمار والتنمية الاقتصادية ومواجهة ظواهر البطالة والفقر، هو بالدرجة الأساس نمط العقلية الإدارية التي تميز بين أبناء البلد وفق معايير حزبية ومصالح سياسية وشخصية ضيقة، وضمن آليات خطيرة في إدارة الصراع بين القوى السياسية.
نعم، إن الطرف المسؤول عن تفاقم أزمة العدالة الاجتماعية في الإقليم هو عامل ذاتي بامتياز، يتمثل في غياب تنشئة وطنية قادرة على إفراز قيادات مسؤولة توزع خيرات الإقليم وثرواته بشكل عادل، الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى تصاعد وتيرة الصراعات السياسية من جهة، وتجدد الاحتجاجات المجتمعية من جهة أخرى.
منشور في صحیفة (الصباح) العراقیة..


