كشف تقرير أصدرته الأمم المتحدة عن تحولات كبيرة في الخريطة الحضرية العالمية، خصوصا مع اقترابنا من نهاية عام 2025، حيث تتصدر المدن العملاقة قائمة المناطق الأكثر اكتظاظاً بالسكان. ولم تعد هذه المدن مجرد مراكز اقتصادية أو ثقافية تقليدية، بل تحولت إلى كيانات متكاملة تضم عشرات الملايين من السكان، وتواجه في الوقت نفسه تحديات وفرصاً غير مسبوقة في مجالات البنية التحتية، والخدمات العامة، والاستدامة البيئية.
ووفقاً للتقرير، تحتل العاصمة الإندونيسية جاكرتا المرتبة الأولى عالمياً من حيث عدد السكان، إذ يبلغ عدد سكانها نحو 41.9 مليون نسمة، ما يجعلها أكبر تجمع حضري في العالم. ويعكس هذا النمو المتسارع التحولات الاقتصادية التي تشهدها منطقة جنوب شرق آسيا، لكنه يثير في المقابل تساؤلات جدية حول قدرة المدينة على التعامل مع مشكلات الازدحام المروري، والتلوث، وإدارة الموارد الحيوية.
ويشير التقرير إلى أن تسع مدن من أصل أكبر عشر مدن في العالم تقع في القارة الآسيوية، في دلالة واضحة على التحول الديموغرافي المتزايد نحو الشرق. وتأتي دكا، عاصمة بنغلادش، في المرتبة الثانية بعدد سكان يبلغ 36.6 مليون نسمة، تليها طوكيو بـ 33.4 مليون نسمة، ثم مدن نيودلهي وشنغهاي وغوانغتشو، التي تواجه جميعها تحديات متزايدة في مجالات الإسكان والنقل والخدمات العامة نتيجة النمو السكاني السريع.
وعلى الصعيد العربي، تحتل القاهرة المرتبة السابعة عالمياً بعدد سكان يصل إلى 25.6 مليون نسمة، لتكون بذلك أكبر مدينة عربية من حيث عدد السكان. ويعكس هذا الرقم الدور المحوري للعاصمة المصرية كمركز حضري رئيسي في الشرق الأوسط، لكنه يسلط الضوء أيضاً على حجم النمو المتسارع الذي تشهده المدينة في ظل مشاريع البناء والتخطيط العمراني المستمرة.
ولا تقتصر قائمة المدن العملاقة على آسيا فقط، إذ تضم أيضاً مدناً من أميركا اللاتينية مثل ساو باولو وبوينس آيرس، ومن إفريقيا مثل لاغوس ولواندا، إضافة إلى مدن أميركية كبرى مثل نيويورك ولوس أنجلوس. ويؤكد هذا التنوع الجغرافي أن ظاهرة التمدن السريع تمثل اتجاهاً عالمياً، وليست مقتصرة على منطقة دون أخرى.
ومع هذا التوسع الحضري المتسارع، تبرز تحديات كبيرة تتعلق بتطوير البنية التحتية، وإدارة الموارد الطبيعية، والحد من الانبعاثات الكربونية. وتشير الأمم المتحدة إلى أن المدن العملاقة باتت بحاجة ماسة إلى حلول مبتكرة في مجالات النقل العام، والطاقة النظيفة، والتخطيط العمراني المستدام، لتفادي تحولها إلى بؤر للأزمات البيئية والاجتماعية.
ويفتح تقرير الأمم المتحدة المجال أمام نقاش دولي واسع حول سبل جعل هذه المدن أكثر قابلية للعيش وأكثر استدامة، مؤكداً أن النمو السكاني في المدن الكبرى لا يمثل مجرد ظاهرة ديموغرافية، بل عاملاً حاسماً سيؤثر بشكل مباشر في ملامح الاقتصاد العالمي، وأنماط الحياة، والسياسات العامة خلال العقود المقبلة.

