د. محمد وليد صالح
أكاديمي وكاتب عراقي
يمكن وصف القرن العشرين لحظة حضرية بإمتياز مع انتقال السكان نحو الحواضر الكبرى التي تركزت فيها النشاطات والخدمات، لأن المدن والقرى العربية واحدة من المداخل الرئيسة لفهم تأريخ العراق الحضري وتحديد طرائقه المتنوعة، لتسليط الضوء على تأثير البنية الاجتماعية للمدينة كمسرح سياسي شهدت تحضراً واسعاً في المنطقة، مع انعكاس نتائج التهجير الريفي والتطور الداخلي والانتقال إلى أرضية مركزية في بلدان مختلفة، بعد الحرب العالمية الأولى ظهر مشهد آخر مع بروز الكيانات السياسية المستقلة الجديدة وتلاها الدول القومية، ويعد العراق لاعباً رئيساً في هذا التأريخ.
في حين جعلها عالم الاجتماع علي الوردي مفهوماً جوهرياً لتحليل الشرق الأوسط، فالمدينة نظام معقد تنتقل من مرحلة الظهور إلى مرحلة النمو وثم مرحلة الانحدار والتداعي, وبالتالي فهي بحاجة إلى ستراتيجيات التجديد الحضري قائمة على الحفاظ على التراث لإعادة المدينة إلى الحياة لاسيما مركزها كجزء رئيس منها، الذي يتأثر بقوى سياسية واقتصادية واجتماعية وبنية تحتية، ويعد مركز مدينة بغداد التأريخي أحد مظاهر هذا التحوّل لربط ذاكرة المدينة بإحساس شاغل المكان وفق خطط التنمية لمواجهة قوى العولمة والفوضى هي المؤثرة على هذا النسيج العمراني، عبر منظورات متنوعة لباحثون عراقيون وعرب وأجانب في بيت الحكمة ومعهد الشرق الأدنى والمعهد الفرنسي في العراق.
فالطابع الليبرالي الجديد مبني على تشجيع اظهار التمايز الاقتصادي للذين عندهم القدرة الشرائية، في هذا النمط من العيش يكون الادخار أقل والاقتراض أكبر والعلاقات الأسرية اضعف ويكون البحث عن الراحة من خلال الترف والبذخ الذي يقدم على أنه رمز للتمايز والرقي بواسطة عرض التفاصيل الثانوية على أنها مقومات نمط حياة الترف.
إذ يعيش الانسان “المتحضر” في مدينة ذات بيئة جذابة لائقة، وفي مجتمع يسوده النظام والعيش المقبول الميسر وتتوافر فيه اسباب النظافة وأصناف الخدمات الضرورية لمثل هكذا حياة.. كما تكون المدينة مفخرة أمام كل زائر اليها يأخذ الانطباع الحسن، وان الذي يوفر مثل هذه البيئة النظيفة الجميلة اللائقة للعيش الميسر، من طريق التصميم الأساس الذي تعتمده البلدية كمنهجية للنهوض بالمدينة وخطة عمل لتقسيم استعمالات الأرض، وهو دستور ومنهج نظامها وطريق تقدمها وبرمجة توسعها ومراحل اعمارها ونهوضها، وبمعنى آخر مسألة نظام المدينة والذائقة الجمالية لمبانيها ومنشآتها وفضاءاتها الحضرية بكل مفرداتها من التناسق والتناغم والانسجام بين جميع مكونات التصميم، للحد من افتقار المدن العراقية حتى اصبحت مشابهة لقرى تحوي مجموعة من المباني المنتشرة بدون نسق عمراني المماثلة لضمان تحسين سلامة البيئة البشرية والإنسانية وتبني نظم النقل الحديثة، وتوفير السكن لإيواء والفقراء والمهمشين والأرامل والمعاقين.