الكاتب.. عبد المنعم الأعسم
يلزم ان نبارك لساسة المرحلة وزعاماتها وطواويسها وكل من صعد الى مسرح الملهاة الكارثية هذا “المنجز” الكبير الذي سيضاف الى “منجزات” هائلة تحققت على ايديهم طوال عقدين من الزمان، من ضياع ثروة العراق الى سقوط الموصل حتى سرقة القرن.
ولهذه التهنئة ما يبررها في ان القضاء غسل يديه من “الحادث” حيث تولى الضحايا قتل انفسهم، عقابا لذنب لم يرتكبوه، والحق، ان منظومة الحكم قد اغلقت متنفسات الحياة والتوظف والفرص امام اجيال الخريجين والقادرين على العمل ومحتاجيه، وفرضت على مئات الالوف منهم، وبخاصة الشابات، تعطيل طاقاتهم الخلاقة وتصريفها بين البطالة والكآبة وانتظار الفرج وقبول حياة السجن المنزلي والاستسلام الى اعراض الكآبة والشعور بالخيبة والعجز، معرضين الى امراض مستديمة من الفصام والضياع والملامة، وينتهي الحال بالبعض الى تعاطي المخدرات او الى العقاقير المّسكّنة والمدمرة في ذات الوقت.
وبدلا من الاتجاه لدراسة مصادر وتداعيات هذه الظاهرة الخطيرة، على اساس علم نفس المجتمع اتجهت الدولة الفاشلة الى مستويين خائبين من التعامل، الاول في ترويج فتاوى دينية قديمة بتحريم (وتجريم) الانتحار وتحميل الضحية وزر النكبة التي المّت به، والثانية وضع ملف هذه الظاهرة المعقدة في عُهدة اجهزة الامن والشرطة التي غالبا ما تكون تقاريرها تبريرية وشكلية..
ان عقولنا، محدودة السِعة، ونافرة، امام هذه المفارقات السوداء التي تختلط فيها ذنوب نظام النهب والتمييز مع ذنوب مجتمعية تتجسد في سلبية شباب ساخط على ما يجري، وعلى نفسه، في حين تعطينا حشوة هذه المفارقة نتائج مخيفة لسياسات منهجية، متعمدة، لاغلاق ابواب المستقبل امام هؤلاء الشباب وتركهم بلا أمل، حيث فوجئنا بهذا العدد الكبير من الضحايا، بل ان المدونات الرسمية لمفوضية حقوق الانسان المحلية اعترفت ان ثمة “حالات كثيرة لم تُدون” وعزا مسؤول فيها ازدياد حالات الانتحار بين الشباب إلى الأزمات “الاقتصادية والاجتماعية” مطالبا بمعالجة ظاهرة البطالة بين هذه الشريحة.
كان راسكولينكوف، بطل رواية دستويفسكي “الجريمة والعقاب” قد فكر مرة واحدة بالانتحار، صارخاً ازاء ما يعانيه من مهانات واذلال وعطالة عن العمل: “لم يعد في وسعي التحمل..اعطني البندقية”.
أحسب ان هذا كان نشيد الضحايا العراقيين السبعمائة الذين جزّوا رقابهم بأيديهم.
نقلا عن صحيفة المدى