المسرى..
مطالعة .. هناء رياض
واخيراً انتهيت من قراءة هذا الكتاب المعقد , واقول معقد لأني لم استطع تقبل ترجمته التي تبناها الاستاذ عادل زعيتر , الذي اعتمد على الكثير من البهرجة اللغوية والتي تجبرك احياناً على التوقف برهة كي تستدرك مايقصد ..
المهم .. الكتاب للمؤرخ والباحث الفرنسي ( غوستاف لوبون ) وهو أول كتاب أقرأه له , فيما اكتشفت من خلال البحث انه مؤرخ عظيم وباحث كبير في شؤون الامم ومتأثر بدرجة كبيرة بالحضارة العربية الاسلامية وله مبحث فيها بعنوان ( حضارة العرب ) والذي انوي الاطلاع عليه ان شاء الله ..
الكتاب هذا , يتحدث عن الفكرة الاساس التي يبدو ان لوبون قد اعتمدها كثيراً في مؤلفاته , وهي ان لكل امة ميزة وبصمة نفسية لايمكن تكرارها , صفة او مجموعة من الصفات، تعمل عمل البصمة الوراثية التي تنتقل جيلاً بعد جيل دون ان تتأثر , وان اختفت او قلت ملاحظتها في زمن ما ، بفعل بعض الظروف كالبيئة او الاختلاط او امتزاج الثقافات او الحروب او غيرها ، فأنها لابد ان تظهر وتتجسد في موقف ما لتؤكد بقائها ..
يؤكد لوبون ومن خلال الامثلة التي تطرق لها في الكتاب كالحديث عن حضارات الهند القديمة او الحضارات الاشورية او عن الفراعنة .. بأن العرق او تسلسل الاجيال يورث في كل امة روحها الخاص , وبأن روح الامم يؤثر بشكل واضح وجلي على سلوكيات وثقافات تلك الامة وطريقة تفكيرها وتعاملها مع المحيط والشخوص ، ويؤكد ان عدم المساواة والتفاوت بين البشر هو الاصل في تعدد الثقافات
كما انه يوضح و( يصرّ) على ان الاسس الثابتة في كل امة لابد ان تأخذ وقتاً طويلاً جداً لترسيخها , وبذا فأن محاولات تغييرها لابد ان تأخذ وقتاً اطول بكثير ، ورغم ان هناك فئات بشرية قابلة للتغيير بسهولة والتاقلم بسرعة في كل مجتمع من المجتمعات البشرية كالمثقفون ، الا ان الصفات عند الجماعات باقية راسخة في حياتهم اليومية ..
مالفت انتباهي واستفزني حقيقة ، هو ان لوبون كشف عن نظرية ( وربما هي حقيقة ) لطالما حاولتُ عدم تصديقها او القبول بها ,وهي ان هناك فرق كبير بين نفسية الانسان وتعليمه ، بمعنى ان التعليم والتثقيف لايؤثر كثيراً بعرق الامم او روحيتهم ، وبالتالي لايؤثر بسلوكياتهم وطريقة تفكيرهم التي وروثها عبر الاجيال ، فهو يقول ان الامم يمكن تقسيمها لاربعة اقسام رئيسية ، أولهم العروق الابتدائية ، وهي تلك الاقوام التي لم تحظ بأي اثر للثقافة وظلوا على بدائيتهم ويعطي مثالاً على ذلك بعض الاقوام الموجودة في استراليا ، ثم الاعراق الاعلى مرتبة بقدر بسيط من الحضارة وان كانت حضارتهم تتسم بالغلظة والقسوة كالزنوج ، ثم العروق الوسطى فهم الذين كونوا حضارات راقية كالصينين والعرب والآشوريين وغيرهم، وتأتي أخيرًا العروق العليا وهي الأمم التي استطاعت أن تخترع في المجالات المختلفة كالأمم الهندية الأوروبية.. ويقول لوبون كمثال ، ان اصحاب العروق الإبتدائية والدنيا يلاحظ عنهم عجزهم عن التعقل ولايتقبلون النقد ويسيطر عليهم التقليد، كما انهم يفتقدون للنظرة المستقبيلة وبالتالي محكوم عليهم أن يظلوا متخلفين عن الحضارة، بينما اصحاب العروق المتوسطة والعليا فأنهم قادرون على الابداع والتقدم وبناء الحضارة والتجدد ، وان هذا الاختلاف لايعود لعجلة التعليم ومدى استحصال تلك المجتمعات على المعرفة وانما هو راسخ في صفاتها مهما تطورت معرفتها ، فيقول مثلاً: ان التعليم قد يجعل شخص (بدائي) محامياً او معلم , لكنه لن يغير طريقة تفكيره او صفاته النفسية وان الشهادة الجامعية لن تمنحه ملكة التفكير الناقد ..
واخيراً .. فأن لوبون يؤكد ايضاً على ان المساواة التي ينادي بها (العالم المتمدن) اليوم ، لايمكن تطبيقها على ارض الواقع ، وذلك يعود للفوارق النفسية بين الامم ، بل ان محاولة تطبيقه سيخلق اضطرابات كثيرة كما حدث في امريكا وثورات اوربا ، وهو يرى ان تطبيق مبدأ المساواة بين الامم كافة معناه ان تجبر العالم على الخضوع لقالب واحد في ادمغة الجميع دون مراعاة للفروق الطبيعية والنفسية وهذا غير قابل للتطبيق، الا اذا استغرق الامر قروناً عديدة وحروباً كثيرة ..
حقيقة .. الكتاب رائع وقيم جداً وممتع لولا ترجمته المتكلفة ، رغم ان الاستاذ زعيتر مترجم معتمد ومبدع ومفكر عربي معروف ، الا ان الكتاب وموضوعه لايحتمل التزويق والتعقيد التي اعتمدها ..