للقراءة أهمية كبيرة وفوائد جمة للمجتمع الإنساني، حيث أنها تؤثر بشكل إيجابي على عقل القاريء وتصل في تأثيرها إلى سلوكه وأفكاره و طريقة كلامه، فكلما قرأ الفرد نمت ثقافته وازدادت معلوماته ومعرفته وكثُرت خبراته في الحياة وتغذى وترفّع عقله .
كما أن القراءة تساعد في الوقاية من مرض الزهايمر فقد توصلت دراسة أُجريت أن الإنسان الذي يقرأ لديه معدل أبطأ من تدهور الذاكرة مقارنة بمن لا يفعل.
تعريف القراءة
القراءة يمكن تعريفها وبيان المقصود منها بأنها؛ عملية تعتمد على تفكيك وفهم للرموز التي تسمى حروفا ؛ لتكوين معنى وإيضاح المقصود، والوصول إلى مرحلة فهم وإدراك المقصود من الكاتب وكتابته.
كما يمكن أن يقال على القراءة أنها جزءٌ من اللغة فهي وسيلة لفهم لغة معينة مكتوبة ، وبالتالي وسيلة للتواصل و الفهم بين أصحاب اللغة الواحدة .
فالقراءة باختصار هي وسيلة للتعلم والإتصال مع الثقافات والحضارات الأخرى ، وعملية عقلية يعمل فيها المخ على فهم و استيعاب وإدراك نصوص وجمل وكلمات ثُم الوصول إلى المعنى المقصود من المكتوب من قِبل الكاتب .
وبحسب تقارير لمنظمات دولية فإن القراءة تعيش حالة من الأزمة في المجتمعات العالمية و الشرقية خصوصا، وأن الضرورة أضحت ملحة اليوم لتكثيف الجهود للتصدي لظاهرة العزوف عن القراءة خاصة لدى الشباب في ظل سيادة الوسائل الالكترونية ومزاحمتها للكتاب الورقي.
ويرى الكثير من المثقفين والمفكرين المعاصرين أن ظاهرة التّراجع الثّقافي والفكري في العالم تُعزى إلى عامـل التراجع المـهول في نسبة القراءة، حيث أن العالم بأسره يعيش، أزمة القراءة، وهي أزمة حادة بدأت منذ عقود ، في مرحلة أولى، بـدتْ هذه الأزمة في شكل تراجـعٍ عن معـدلات قراءة الكتاب، من غير أن يساوقه تراجع في نسبة مستهلكي المجلات الفكرية والأدبية أو المتنوعـة والجرائد، فالعلاقة بالمادة المكتوبة، حينها، لم تكن قد أصيبت بالضّرر بعد، وإن كانت تدهورت في المستوى.
عقبات أمام القراءة
هناك عوائق وأسباب عدة ساعدت على تدهور حالة القراءة فمثلا فإن أغلب المدارس تخلو من مكتبات مع أن للمدارس دور مركزي وهام في التحفيز، وغياب دور الآباء كقدوة أولى لغرس بذور الاهتمام بالكتاب والقراءة، نجد مثلا القراءة تنعدم في المحطات والفضاءات العامة عكس ما نجده في اليابان على سبيل المثال، حالة ركود تشهدها المكتبات العامة التي لا تصلح فضاءاتها للقراء ولتحفيز الزائر على أخذ الكتاب وتصفح صفحاته أو إحداث نوع من الألفة مع المكان، حالة ركود أيضا تشهدها أماكن بيع الكتب وأكشاك الجرائد والمجلات مما يؤكد تماما أن القراءة تعيش وضعا بائسا ومزريا.
زمن الكتب المحفوفة بالسم والممنوعة والمصادرة اندثر ولم يبق له أثر، لقد أصبحت الكتب متوفرة عكس ما كان سابقا إذ أن بعض الكتب في الماضي كان كل من لمسها لقي حتفه لا محالة، ومع هذا نجد في عصرنا عصر الكتب المتاحة والحبيسة رفوفها للأسف، كتب وحيدة لا جليس لها، بيوت لا كتب فيها أو فيها كتب بلا معنى لا طائل من ورائها، كتب الطبخ يزداد الإقبال عليها ، مجتمعات طغت فيها عادات القراءة الرقمية بشكل فوضوي وعشوائي وغير مضبوط مما أدى إلى إقصاء الكتب الورقية، وشيوع الإقبال منقطع النظير على الأنترنت والقراء انصرفوا للأسف إلى مشاهدة التلفزيون ومحطاته الفضائية. يقول “ميخائيل نعيمة”، عندما تصبح المكتبات في البيت ضرورة كالطاولة والسرير والكرسي والمطبخ، عندئذ يمكن القول بأننا أصبحنا متحضرين.
العصر الالكتروني وتراجع القراءة
أما طور الأزمة الأشد، التي تستبد بظاهرة القراءة، فهو الذي نشهد عليه منذ ثلاثين عاما؛ منذ ولجنا الحقبة الإلكترونيّة من التّطوّر. لم تعُـد مصادر المعرفة، التي منها تُسـتـقى المعارف في هذا الطّور، هي الكتب ولا المجلاّت المتخصّصة وإنّما الشّبكة العنكبوتيّة ومواقــع المعلومات فيها. أمّا نوع “المعرفة” المستقاة فهي الأخبار والصّور، وغالباً للتّسليّة وتمضية الوقت. أمّا حين يتعلّق الأمرُ بقارئ باحث فلا تتغيّر العلاقة كثيراً؛ إذ يجد في المصادر الإلكترونيّة ضالَّته التي “تغنيه” عن العودة إلى المصادر: المختَصرات المُخِلّة بشروط المعرفة، ناهيك بما تغريه به تلك “المصادر” الوهميّة من مسلكيّات مثل القرصنة والانتحال والغشّ. هكذا تأتي “المعرفة” بالوسائط الإلكترونيّة على المعرفة والثّقافة بالإفقار والهدم.
الثّقافة والمعرفة اليوم في أزمة، لأنّ القراءة في أزمة، وهذه أزمة قد تمتد وتستفحل، وربما تنتهي إلى انقراض ظاهرة القراءة جملة إن لم توضع، خّة عمل و استراتيجية لتنمية قيم القراءة وترسيخها في ثقافة الشعوب ، وهذه استراتيجية ينبغي أن تجند فيها المؤسسات كافة، بدءا من الأسرة و المدرسة و الجامعة وصولا إلى الإعلام و سياسات ترويج الكتاب والإنفاق على صناعته، ذلك وحده يمكن أن ينقذ الثقافة والمعرفة من زوال محقّق.