جاء ترتيب العراق وفقاً لمعيار كفاءة الأداء البيئي في المرتبة 116 من مجموع 180 دولة، ولذلك حاول العراق مؤخراً، بمعونة دولية، أن يعالج إخفاقاته البيئية عبر إطلاق خطة التكيّف الوطني لمكافحة تغيّر المناخ في أواخر 2019 على مدى 36 شهراً، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وبتمويل مخفض لا يتناسب وحجم الكارثة البيئية، بقيمة 2.5 مليون دولار، منحها صندوق المناخ الأخضر. ولكن، حتى آب 2021، لم تتحقق أي من أهداف الخطة، وبات العراق يُصنف كخامس أكثر الدول تعرضاً على مستوى العالم لشح المياه والغذاء وارتفاع درجات الحرارة، بحسب تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للبيئة.
كثيرة هي التحديات التي تواجهها بيئة العراق نتيجة عوامل مختلفة ومتنوعة على رأسها تلوث الهواء والنقص الحاد في المياه فضلا عن الجفاف والتصحّر وارتفاع في عدد العواصف الغبارية. ويواجه العراق أزمة بيئية غير مسبوقة، إذ باتت سماؤه تُمطر غباراً وملوّثات، ولم تعد بلاد ما بين النهرين، ترفد أراضي البلد بمطر وفير ينقذها من جفاف وشيك.
سجلت العراق في العام 1920 تدفقاً بمقدار 1.350 مترا مكعبا/ ثانية، أصبح التدفق أقل من 150 مترا مكعبا/ ثانية في العام 2021. وينفق العراق ما يفوق 63% من موارده المائية على الزراعة من دون أن يسد حاجته المحلية من المحاصيل، ويعتمد غالباً على الاستيراد من الخارج، ما يعني أن هناك هدراً مائياً لا تقابله وفرة إنتاجية.
ويقول مدير عام دائرة التوعية والإعلام البيئي في وزارة البيئة أمير علي الحسون في تصريح صحفي ، إن “البيئة العراقية تواجه عدة تحديثات أبرزها تلوث نهري دجلة والفرات إضافة إلى التجاوزات”، مبينا ان “ما يحدث قائم منذ الثمانينيات لكن الأمور تثاقلت الى حد كبير خلال السنوات الاخيرة لا سيما بعد انخفاض مناسيب المياه بسبب السياسة المائية لتركيا وإيران”. وأضاف الحسون، أن “ما يصل إلى العراق حالياً 35% من النسب التي كانت تصل قبل أربعة عقود”، مشيراً إلى أن “دوائر البلدية لم تعمل على تأسيس بنى تحتية تعالج مياه الصرف الصحي”. واشار إلى أن “أمانة بغداد ودوائر البلديات من أكبر الجهات الملوثة لنهر دجلة إضافة إلى باقي النشاطات الصحية والصناعية لاسيما أن الرقابة ضعيفة عليها وليست صارمة”. ونوه الحسون، الى أن “الوزارة أحيانا لا تستطيع غلق منشأة نفطية او منشأة تولد الطاقة الكهربائية ذات مناشئ قديمة وتعتمد عليها الحياة”، لافتا الى أن “هناك أمراً ديوانياً رقم 99 لعام 2019، شكلت بموجبه لجنة عليا برئاسة رئيس الوزراء لا تزال فاعلة ويشرف عليها رئيس الوزراء لإيجاد حلول لتلك المشكلات”.
وعلى الرغم من انضمام العراق إلى “اتفاق باريس للمناخ” في اواخر العام 2021، الا ان التغير المناخي بات يُستخدم كأداة سياسية أو وسيلة للابتزاز، مثلما تفعل تركيا وايران مع العراق. فيما تواجه البيئة في العراق تحديات عدَّة، منها التغيير المناخي فضلاً عن مخالفات صحية واقتصادية واجتماعية تستدعي اتخاذ اجراءات عاجلة وايجاد الحلول بهذا الصدد.
يؤكد نقيب الأطباء جاسم العزاوي،في تصريح صحفي ، ان “البيئة في العراق تواجه مشاكل وتحديات غير طبيعية اثرت بشكل عام في الانسان وصحته العامة والنفسية”.
واوضح، أنَّ “التحديات على البيئة زادت في الآونة الأخيرة بسبب مخلفات الحروب والألغام الموجودة في الأرض، فضلاً عن كمية التلوث في المياه وقضايا النفايات والاكتظاظ والتلوث البيئي والذهني والسمعي والبصري”، واضاف أنَّ “مشكلة تلوث الهواء حالياً من أصعب المشاكل التي تواجه البيئة في الوقت الحالي وهناك جزيئات فيه لاتصلح للاستنشاق البشري ويؤثر بشكل كبير في الجهاز التنفسي وقد يؤدي تراكمه الى أمراض مزمنة للانسان وهناك نسبة كبيرة من الحالات تقصد المستشفيات بسبب التلوث بالغبار في الجو”.
من جانبه، اكد رئيس مجالس بغداد الثقافية صادق الربيعي، في تصريح صحفي ، ان “البيئة تواجه ازمات جمة اثرت بشكل عام في صحة الانسان ؛ ما جعلها غير لائقة للعيشة البشرية، وهي ازمات منوعة وموزعة بين أنحاء البلد كافة”.
لفت ، الى أن “أكثر من 60 بالمئة من تلك الازمات هي من صنع الانسان أو تقصير حكومي، حيث ان دول الجوار على بعد عشرات الكيلو مترات من العراق خالية من تلك الازمات”. واضاف،أن “الحكومة يقع على عاتقها تسيير الوزارات كالزراعة والبيئة والصحة من اجل ايجاد الحلول لتلك الازمات”.
وافادت سفيرة السلام الدولي ورئيس منظمة الرجاء لرعاية حقوق الانسان رجاء ناصر الموسوي، في تصريح صحفي ، ان “تلوث البيئة بشكل مستمر يؤثر في صحة المواطن، وعلى صلاح الزراعة وسير عمل مراكز الدولة، فضلا عن المضار الاجتماعية والاقتصادية جراء العواصف الترابية”.
بدوره، ذكر نقيب المهندسين الزراعيين العراقيين ورئيس اتحاد المهندسين العرب الاستشاري صادق جعفر، في تصريح صحفي ، ان “عدم وجود خطط للنهوض بالقطاع الزراعي أحد أسباب التغيير الكبير في البيئة، اضافة الى عدم وجود حراك حقيقي من الجهات الحكومية والرسمية لتنفيذ مشاريع زراعية استثمارية محيطة بالمناطق الصحراوية والتي بدورها ستؤدي الى تقليل عوامل التعرية او استخدام التقنيات الحديثة في الكثبان الرملية وتحويلها الى اراضي منتجة زراعية يحيطها الغطاء النباتي الكثيف والذي يكون بمثابة مصدات للرياح ويعمل على تثبيت التربية بشكل كبير”.
وعن المعالجات المقترحة دعا جعفر، الى “اعداد خطط حقيقية للنهوض بالقطاع الزراعي، مما سيؤدي الى تغيير كبير في المحافظة على البيئة ويقلل من التغييرات المناخية التي تسبب هذا الكم الهائل من العواصف الترابية، فضلا عن اعتماد التقنيات الحديثة للري، والاستفادة من مياه الآبار الجوفية، بالاضافة الى مياه الصرف الصحي عبر تحويلها والاستفادة منها في السقي والارواء، الى جانب ذلك الاعتماد على الخبرات العربية والاجنبية ممن سبقت العراق في هذا المجال والاستفادة منها في تنفيذ هذه المشاريع بالمناطق الصحراوية والمناطق التي تعاني من عوامل تعرية كبيرة”.
وأعلنت وزارة البيئة، اليوم الخميس ، عن اتفاق مع الدول المتقدمة على تأسيس صندوق المناخ الأخضر للخسائر والأضرار، فيما أشارت إلى استحصال العراق مبلغ 68 مليون دولار ضمن مؤتمر شرم الشيخ للمناخ.
وقال مدير عام الدائرة الفنية في وزارة البيئة، عيسى الفياض، في تصريح صحفي ، إن “العراق استحصل مبلغ 68 مليون دولار ضمن مؤتمر شرم الشيخ”، مبيناً، أن “المبلغ سيساهم في تقديم مشاريع لمختلف المحافظات التي تخص الأمن الغذائي، منها زراعية ومائية، وهذه لها دور كبير وخصوصا لمحافظات الوسط والجنوب”.
وأضاف الفياض، أن “مفاوضات أجريت مع الدول المتقدمة استطاعت تحقيق إنجاز كبير مضافاً إلى اتفاقية باريس”، منوهاً إلى أن “الاتفاقية نصت على أن الدول المتضررة من تغير المناخ تذكر الخسائر في تقريرها ويقدم دولياً، في حين أن المفاوضات وصلت إلى اتفاق بوضع صندوق خاص (صندوق المناخ الأخضر) للخسائر والأضرار”.
وتابع، أن “العراق وقع عليه الضرر بسبب تغير المناخ، وعلى الدول المتقدمة تعويضه، لاسيما وأنه يعتبر خامس أكثر دولة هشاشة في العالم من التغيرات المناخية”، مؤكداً” أهمية الاستفادة من هذا الدعم وتقديم مشاريع ناجحة أو مقترحات، خاصة بمشاريع المياه والتبطين واستخدام الطاقة النظيفة”.
ولفت إلى، أن “العراق تمكن من الحصول على مبلغ 68 مليون دولار، منها 35 مليون دولار ونصف ستقر بشكل نهائي، فضلاً عن تخصيص العراق لمبلغ 3 ملايين دولار، وبالتالي سيكون المبلغ 38 مليون دولار وسيخصص لمشاريع في محافظات كربلاء المقدسة والنجف الأشرف والمثنى”.