في الثاني والعشرين من آذار الماضي عاد رئيس الوزراء محمد السوداني من تركيا وهو يحمل معه وعداً بمضاعفة حصة العراق المائية مدة شهر ، مايعني خزيناً مؤقتاً لايفي الحاجة الفعلية للبلاد من المياه وخصوصاً في فصل الصيف الذي ترتفع فيه درجات الحرارة بمعدلات كبيرة جداً ، وبحسب بيانات إحصائية وخبراء، فإنّ العراق يفقد من مياهه بالتبخير ما يفوق الـ8 مليار متر مكعب سنويًا، ولا سيما من بحيرة الثرثار، التي يصفها الخبير المائي سعد السام في إيضاح تابعته المسرى ، بـ”مملحة الثرثار” نظرًا لما يتسبب به التبخير السنوي من هذه البحيرة من تراكم أملاح تقدر بنحو 15 مليار كيلوغرام من الملح سنويًا.
ولأن مشكلة المياه في العراق تعد معضلة تتوقف عليها حياة المواطنين بأستخداماتهم اليومية وكذلك الاقتصاد الزراعي الذي خسر مايقارب ال50% من الاراضي الزراعية التي خرجت عن الخدمة بسبب شحة المياه بحسب وزارة الزراعة ، فضلًا عن الآثار الضخمة الأخرى للجفاف على البيئة والأهوار والمسطحات المائية في البلاد ، فأن المسؤولية لاتقف عند دول المنبع ( ايران ، تركيا ) التي جاهدت على تقليل حصة العراق من المياه.
حقائق يتم التغاضي عنها
لايمكن اغفال الدور الذي تلعبه دول الجوار بالتحكم في كمية المياه الواصلة الى العراق عبر نهري دجلة والفرات من خلال تخفيض وقطع الامدادات المائية عن العراق ، كما لايمكن تجاهل تأثير التغييرات المناخية التي طرأت على العالم ككل ، وخصوصاً على العراق الذي يعد واحداً من بين خمسة دول عالمية هي الاكثر تأثراً بتلك التغييرات واحتمالية تعرضه لموجة جفاف كبيرة ، الا ان هناك جانب خفي من التقصير تتحمله الحكومة العراقية وبشكل كبير ويتم التغاضي عنه رغم انه يشكل عاملاً اكثر خطورة في التسبب بالجفاف وتعريض البلاد لمنزلق اقتصادي وحياتي خطير ، يتمثل بعامل الهدر المائي الذي يكلّف العراق كميات من المياه تفوق ما قطعته دول الجوار بنحو ضعف ونصف، وتشير التقارير والإحصائيات الدولية إلى أنّ دول الجوار تسببت بفقدان العراق قرابة 40% من مياهه، وأن واردات نهر دجلة انخفضت إلى 9.7 مليار متر مكعب سنويًا ونهر الفرات إلى 9.3 مليار متر مكعب.
ووفق ذلك، يعني هذا أنّ مجمل واردات العراق السنوية تبلغ حاليًا 19 مليار متر مكعب، وإذا ما أُخذ بنظر الاعتبار أنّ الانخفاض الذي أوصل إلى هذه الكمية بلغ 40%، فهذا يشير إلى أنّ الواردات المائية قبل ذلك كانت نحو 30 مليار متر مكعب، وبذلك، فإنّ دول الجوار اقتطعت من العراق ما يقارب الـ11 مليار متر مكعب سنويًا.
العراق يهدر 84% من وارداته المائية
ويمكن لك ان تتخيل ان وارادات العراق من المياه سنوياً هي 19 مليار متر مكعب ، فأنها تفقد مايقارب 8 مليار متر مكعب في التبخر ، بينما تقف عملية السقي الكلاسيكي للأراضي الزراعية لتشكل كارثة كبرى في عملية الهدر المائي ، حيث تذهب 80% من المياه المستهلكة في العراق إلى قطاع الزراعة. وفي اعتراف ضمني، تقول وزارة الزراعة في تصريحات سابقة حول أهمية تغيير نظام الإرواء في الزراعة وضرورة جلب واعتماد المرشات، إنه “لو اعتمدنا على ثلث الماء القادم من تركيا بأسلوب الإرواء الحديث لاكتفينا”، حيث يتناسب هذا التصريح مع ما يؤكده الخبراء، بأن هدر المياه في السقي الكلاسيكي القديم، يتسبب بهدر 80% من المياه المستخدمة للسقي.
وفي هذا الشأن يقول الناشط في المجال البيئي جاسم الأسدي في تصريح سابق للصحيفة الرسمية وتابعته المسرى ، إنّ العراق يعاني قِدَم أنظمة الري التي يستعملها منذ مدة طويلة وهي بكفاءة متدنية للغاية تصل إلى 32 بالمئة، ما تسبب بهدر نسب عالية من المياه تصل إلى 80 بالمئة، في الوقت الذي يعاني فيه العراق شحًا كبيرًا بحصصه”.
في الأثناء، وفي تصريح صحفي سابق قال مدير دائرة الموارد المائية في محافظة ذي قار غزوان عبد الأمير إنه وفق المتوفر من المخزون المائي، فإن الصيف القادم سيكون قاسيا، منبها إلى احتمال فقدان مياه الشرب في بعض المناطق ما لم يتم احترام إجراءات الوزارة ومنع استمرار التجاوز على الحصص المائية، مؤكدا توقف مضخات مياه الشرب في قضاء الإصلاح بالمحافظة.
ويبدو الحال ذاته في سد الموصل ، فقد اكد خبير الإستراتيجيات والسياسيات المائية رمضان حمزة أن المتبقي من المخزون المائي في سد الموصل يبلغ مليار متر مكعب فقط، ومن ثم سيُلجأ إلى المخزون في بحيرة الثرثار ليذهب باتجاه نهر الفرات، وبذلك ستعاني مناطق عديدة من الجفاف.
وبعبارة أخرى، أنّ دول الجوار تسببت بخسارة العراق 40% من وارداته المائية، بينما يتسبب العراق بهدر أكثر من 80% من مياهه الواردة.
كيف يتم الاستفادة من موسم الامطار
في برنامج للأمم المتحدة اطلعت عليه المسرى وبالتعاون مع متطوعين في اقليم كوردستان ، حيث يركز ناشطون من عدة منظمات بيئية على الحفاظ على المياه وإعادة التشجير وإزالة التلوث عن المناطق الملوثة. ويشرح هاوكار علي وكشبين إدريس علي وشاهين عمر سعيد من منظمة هسار، وهم يعملون مع آلاف المتطوعين في أربيل ودهوك والسليمانية، كيفية استخدامهم للمياه في مشاريعهم المناخية للحفاظ على البيئة، حيث يؤكدون انه مع حوالي 14% من مياه العراق مصدرها المياه الجوفية – والباقي يأتي من المياه السطحية لنهري دجلة والفرات ، ويقول هاوكار علي مؤسس منظمة هساران مستوى المياه الجوفية في أربيل عميق، وتستغرق إعادة تغذيتها وقتًا أطول من خلال التسرّب السنوي لمياه الأمطار. لذا يجب علينا الحفاظ عليها من خلال تشجيع مشاريع إعادة التغذية الاصطناعية. وإذا كان لدينا تدفقٌ سطحي خلال موسم الأمطار، فيمكننا استخدام المياه السطحية للتخزين تحت الأرض. وبدلاً من المياه الجوفية، يجب أن نحصد مياه الأمطار من خلال بناء عدة سدود في أعلى المنبع في مدينة أربيل.” يعتقد هاوكار علي أن إعادة التشجير تحتاج إلى موارد مائية مستدامة لكي تكون ناجحة، وبرك مياه الأمطار يمكن أن تكون حلاً لذلك.
اما وزارة الموارد المائية فقد اعلنت في الرابع من نيسان الجاري وعلى لسان وزيرها عون ذياب خلال مؤتمر صحفي ، إن وفرة المياه جراء سقوط الامطار أثرت إيجاباً على تأمين إرواء الأراضي الزراعية المزروعة بمحصولي الحنطة والشعير، حيث سمحنا بزراعة مليونين ونصف المليون دونم من تلك المحاصيل”، مبيناً أنه “بعد الاطلاع على صور من الأقمار الصناعية، توضح أنه تمت زراعة أكثر من ٦ ملايين دونم، بالاعتماد على المياه السطحية، بسبب تساقط الأمطار مبكراً منذ بداية الموسم، حيث توسع تلقائياً”.
وأضاف أن “الأمطار الأخيرة التي شهدتها البلاد، كان لها تأثير ايجابي، حيث أمنت إرواء المساحات المزروعة بالكامل، وسببت بتوفير المياه التي تم تأمينها لري المساحات المزروعة ، الا انه في ذات الوقت اشار الى ان الأمطار سقطت في مناطق الوسط والجنوب من البلاد ولم تتساقط في المناطق الشمالية، وكون سدودنا وخزاناتنا تقع في المناطق الشمالية، لذلك لم نستطع أن نخزن فيها مياه الأمطار، وبالتالي فإن الأمطار عملت على تقليل الاطلاقات المائية من السدود والخزانات لذلك بدأنا بتأمين خزين استعداداً لتأمين احتياجات الناس في فصل الصيف للأغراض البشرية ومياه الشرب، أما الزراعة فما يزال الوضع سابق لأوانه”.
وأشار إلى، أنه “في حال استمرار الأمطار خلال الفترة المقبلة، لربما نستطيع تأمين المياه لزراعة الموسم الصيفي”، لافتاً الى أن “هناك تهديداً لموضوع الزراعة الصيفية، لكن لا أستطيع أن أحدده، ولا يمكن أن أعلن نتائج نهائية مطلقة في الوقت الراهن، فالموقف المائي للزراعة متوقف على كمية الأمطار المتساقطة خلال الفترة المقبلة”.