– عبدالهادي مهودر
جانبَ الحظ صحافتنا نتيجة عدم استقرار الدولة العراقية ولم تعمّر صحفنا طويلاً بما فيها ( زوراء ) التي عُدت أول صحيفة تصدر في العراق ، وليست أول صحيفة عراقية ، أصدرها الوالي العثماني مدحت باشا عام ١٨٦٩م ، وكأي والٍ يأتينا فاتحاً بفاتحتنا الكبيرة ويدخل ارضنا بعبارة جئناكم فاتحين فقد أصدروا جميعاً صحفهم التي زالت بزوالهم ، من زوراء الى العرب ومن مدحت باشا الى مس بيل الى بول بريمر ، وبعد صراعٍ وطول معاناة يخرج العراق بأسماء واصدارات صحفية مختلفة كالحلقات المقطوعة التي لاتجمعها سلسلة ، بينما استمرت صحف مصر وجريدة الأهرام خصوصاً منذ عام ١٨٧٥م وحتى يومنا هذا ، زرت مصر ولفت انتباهي أن صحفها تصدر (صبح وليل ليل وصبح ) ، و في مصر شعب لاينام ،فما اطال النوم عمرا ولاقصّر في الأعمار طول السهر، ومطربتهم تغني حتى مطلع الفجر وصحافتهم تصدر في الصباح والمساء ، ولسان حالها يقول (اكتب يحسين اكتب…) ، ولم يفسر لي أحد سر الظاهرة الصحفية المصرية واستمرار صحافتهم الورقية التي تشرق عند مغيب الشمس في وقت توقفت معظم صحف العالم الورقية وتحولت الى الكترونية خالية من رائحة الورق التي تُسكر عشاق الصحف وكتاب المقالات .
واليوم إذ نحتفل بعيد الصحافة العراقية ، فأول امنياتي لها بطول العمر لتكون إحداها أهرامنا الأبدية، لأن استمرارها يعني أن الدولة قد استقرت وعهود الانقلابات ولّت ، وثاني امنياتي إصدار طبعات مسائية وقد تكون هذه الأمنية صعبة وبعيدة المنال لكن صدور الطبعات المسائية يعني أن مساء العراقيين خير وأمان واستقرار ، وأن أرى طبعاتها الدولية طبعة القاهرة وبيروت ودمشق والرياض والدوحة وو ، وأن تتبنى الدولة العراقية سياسة التعامل الاعلامي بالمثل في جميع وسائل الاعلام المقروءة والمكتوبة والمرئية ، ففضاؤنا المستباح بحاجة لصوت وكلمة وصورة عراقية في عقر ديار الاشقاء والاصدقاء بالتراضي والاتفاق ، صحف ووكالات وفضائيات عراقية عابرة للحدود تري اشقاءنا أن لدينا مثل ما لديهم واكثر ، صحفيون وكتاب وفنانون كبار مثل كبارهم وكبرياتهم ، فالصحفي العراقي هو الآخر ظلم كثيراً ولم يستقر ولم يأخذ فرصته وشهرته كما يستحق وتقطعت به السبل والعهود .
واقع الصحافة في العراق اليوم لايقارن ببداياتها وعصور إزدهارها ، كثير من التقاليد الصحفية غابت وما كان يعيب العمل الصحفي أصبح لايعيبه ، والصحف تصدر لتتوقف لا لتستمر وتغيب ( بلايه وداع)، وهي في الغالب تجارب صحفية فردية تعتمد على براعة ومهنية إدارتها وتزول بزوالهم ، والصحفي العراقي ضيف هنا وهناك لايقر لها قرار ، فيما الصحفي العربي والاجنبي يفتخر بمرور ربع قرن واكثر على استمرار عمله في صحيفة واحدة ووسيلة إعلام واحدة او يمضي كل عمره الصحفي فيها ، ولو يطّلعون على تنقلاتنا الصحفية كلاعبي الكرة لظنوا أن وسائل إعلامنا هي التي تستغني عنا بسهولة وليس واقعنا المتقلب الذي حوّلنا الى مهاجرين ولاجئين في الصحافة .
وليس تشاؤماً ولكنه واقع حال عزاؤنا الوحيد فيه هو وسائل التواصل الاجتماعي فهي اليوم جريدتنا الشخصية على الفيسبوك ونحن رؤساء تحرير صفحاتنا الشخصية بلا حارس بوابة ولا فلتر ولا مدقق ولامعيار ، واحياناً بلاضابط اخلاقي ولا حتى وازع من ضمير ، من الشجرة الى الخلاط ، غير أن عليها ملائكة شداد يحاسبون على ( اللايك ) ويبنون عليه نظريات المؤامرة .
عيد الصحافة لايناسبه القيام بجردة حساب وعتاب ، ونختصره بتقديم التهاني والتبريكات للزملاء والاصدقاء كافة ، ومثلما أن احلامنا في الحياة بسيطة، ماء وكهرباء وبيت ومجاري وتبليط ، فهي في الصحافة أبسط : مستقرة ومستمرة وحرة لا أكثر ، وكل عام وانتم بخير.
نقلا عن وكالة الانباء العراقية