لهيب خليل
(الموت و العذراء ) هو في الأصل عنوان رباعية وَترية ، تُعزف بثلاث آلات كمان و آلة تشللو . و هي المقطوعة الرابعة عشرة من وتريات وضعها الموسيقار النمساوي ” فرانز شوبرت ” ( 1797 ـ 1828 ) ًو هذا العنوان إستعاره الكاتب التشيلي ” آرييل دورفمان ” لمسرحية تتناول فترة ما بعد حكم الدكتاتور التشيلي الجنرال ” أوغستو بينوشيه ” الذي أطاح بحكم الرئيس اليساري المنتخب ” سلفادور أليندي ” يوم الحادي عشر من سبتمبر / أيلول عام 1973 ، ليسود تشيلي طغيانٌ دكتاتوري على يد العسكر الذين حكموا البلادَ بالحديد و النار و تتناول مسرحية ( العذراء و الموت ) مرحلة ما بعد هذه الحقبة و كشف المستور من عمليات التعذيب و الإغتصاب التي جرت على أيادي أزلام ” بينوشيه ” بحق معارضيه . هذه المسرحية صدرت عام 1991 باللغة الإسبانية .في عام 1994 تحولت الى فيلم سينمائي على يد المخرج الفرنسي البولندي ” رومان بولانسكي ” الذي أسند أدوار البطولة الى الممثلين الثلاثة
) سيغورني ويفر في دور بولينا سكوبار )
بن كنغسلي ” في دور دكتور روبرتو ميراندا) )
ستيوارت ويلسون ” في دور جيراردو سكوبار ) ــ زوج بوليناو هؤلاء الثلاثة هم وحدهم الذين سيظهرون في الفيلم المقتبس من النص المكتوب للمسرح أصلاً . و لهذا فان أحداث الفيلم تدور في مكان واحد فقط هو بيت الزوجين ” بولينا ” و ” جيراردو ” .
زمن الفيلم هو الفترة التي أعقبت حقبة الدكتاتور ” بينوشيه ” و الكاتب ” آرييل دورفمان ” نفسه كان شاهداً ، بل في قلب الحدث ــ قبل و بعد الإنقلاب ــ كونه كان المستشار الثقافي للرئيس المغدور ” سلفادور أليندي ” ضمن هيئة المستشارين الخاصين في قصر ( لامونيدا ) الرئاسي، في مقابلة أجرتها معه الصحافة :قال” دورفمان كان عليّ أن أكون قصر لامونيدا في ذلك اليوم الفاجع . كانت هناك قائمة بأسماء الأشخاص الذين ينبغي تواجدهم في الأحداث أو الحالات الطارئة ، وكان اسمي واحداً من تلك الأسماء ، لكن أحداً لم يتصل بي ذلك اليوم ، و تركوني أستمتع بنومي ذلك الصباح . لم أفهم السبب مطلقاً . ولكن بعد ثلاث سنوات ، و عن طريق الصدفة ، قابلت الشخص الذي كان مسؤولاً عن تنظيم تلك القائمة آنذاك ، وإسمه ” فرناندو فلوريس ” ، و في ذلك اللقاء فقط عرفت سرّ بقائي حياً،لقد أخبرني ” فرناندو ” أنه شطب إسمي من قائمة المناوبة تلك في ذلك الصباح ، و حين سألته عن السبب ، صمت قليلاً و غار عميقاً ، عميقاً ، كما لو أنه أراد إن يسترجع تلك اللحظات المرعبة ثانية . أخيراً ، تطلع نحوي قائلاً : حسناً .. كان لا بدّ أن يبقى أحدٌ ما حياً ، ليروي ما سيحدث و قد روى ” دورفمان ” الكثير مما حدث ، وكتب النص المسرحي ، و بالتالي جاء هذا الفيلم ، ويبدأ الفيلم بظهر فرقة موسيقية تعزف الرباعية الوترية ( الموت و العذراء ) لـ ” شوبرت ” حيث يحضر العرض الموسيقي كلٌ من ” بولينا سكوبار ” و زوجها ” جيراردو ” ، و تظهر ” بولينا ” مرعوبة و هي ممسكة بكف زوجها و تستمع بطريقة غير طبيعية الى إيقاع الرباعية ، ثم يقفز المشهد السينمائي الى موجة عاتية تضرب أخدوداً على شاطئ بحري منعزل ، حيث منزل الزوجين ” سكوبار ” . و تظهر على الشاشة عبارة ( في بلد ما في أمريكا اللاتينية .. بعد سقوط الدكتاتورية ) ، ان بلدان أمريكا اللاتينية متشابهة ، بعد الإرث اللاإنساني القاسي الذي تركته دكتاتورية الإستعمار الإسباني لهذه القارة منذ وصول المستكشف الإيطالي ” كريستوفر كولومبوس ” الى البحر الكاريبي عام 1492 و نزول الإسبان على شواطئه حيث
تُصوّرُ لنا كاميرا المصور الإيطالي ” تونينو ديلي كولي ” ( 1923 ــ 2005 ) مشهداً ــ من خلال النافدة ــ تظهر فيه ” بولينا ” و هي تعد العشاء لزوجها ، و في هذه الأثناء تستمعُ الى نشرة الأخبار من المذياع ، و التي تُشير إلى أن الرئيس الجديد قد أعلن عن تشكيل لجنة حول حقوق الإنسان التي إنتُهكت في البلاد ما بين عامي 1975 و 1980 خلال حقبة حكم العسكر.سنلاحظُ أن فيلم ( الموت و العذراء ) هو عرضٌ مسرحيٌ بصيغة سينمائية على الشاشة و ليس على خشبة المسرح . فالأحداث جميعها تدور داخل البيت ، و يبدأُ العرضُ منذ عودة ” جيراردو ” الى البيت بعد أن حصل ثقبٌ في إطار سيارته ، و صادف مرور دكتور ” روبرتو ميراندا ” فأوصله في طريقه . و سيشكل ” ميراندا ” النقطة المركزية في أحداث الفيلم و سيكون له إرتباط بالرباعية الوترية ( الموت و العذراء ) لـ ” شوبرت ،رسالة الفلم الرائعة هي ان البشر اصناف وكل صنف له زمانه لذلك على الجميع ان يعمل على اشاعة الخير والسلام والانسانية لنعيش بأمان لان عكس ذلك سنضطر الى تجرع خسارة كبرى في كل الاتجاهات وندفع اعمارنا نحو المجهول والضياع..

