د. يوسف كوران*
تأسست الدولة العراقية في العام (1921) وإنضمت إليها لاحقا كركوك إحدى مدن ولاية الموصل بعد خمسة أعوام وتحديدا في العام (1926)، لتصبح بذلك جزءا من الدولة العراقية الجديدة. ولم يكن تأخر التحاق كركوك ومجمل ولاية الموصل إلى الدولة الفتية نابعا فقط من الصراع البريطاني والتركي فحسب، بل كانت هناك أسباب أخرى وأبرزها اختلاف التنوع المكوناتي في ولاية الموصل ومنها مدينة كركوك، إذ يشير آخر تقارير لجنة تقصي الحقائق حول الشعوب بأن الكرد يشكلون ثلثي نسبة السكان في المدينة والبقية من التركمان والعرب. ولا زال ذلك الواقع المغاير في كركوك يترك أثره على المشهد السياسي في المدنية ومستقبلها كذلك.
رغم أن الكرد يشكلون وفقا لكل الإحصاءت ونتائج الانتخابات أكبر مكونات كركوك، إلا أنهم مبعدون كليا بعد أحداث السادس عشر من أكتوبر عن تولي المناصب في المحافظة. والحقيقة الأولى أكدتها مجددا الانتخابات المحلية 2023 ، حيث حصد الكرد أغلب الأصوات وضمن أكثر مقاعد مجلس المحافظة قياسا بالمكونات الأخرى. وتلك الأرقام (نتائج الانتخابات) تظهر حقيقة استحالة إمكان تهميش ثقل ومكانة المكون في إدارة المدينة والمحافظة، عبر أي عملية ديمقراطية كانت. فالكرد تمكن رغم التبعثر وتشتت أصواته نتيجة تعدد القوائم الانتخابية، من تمتين مركزه داخل مجلس المحافظة، وهو ما ينعكس بلا شك على ثقله وسلطته المحلية في المدينة.
المعطيات على أرض الواقع تبين صعوبة تشكيل الحكومة المحلية في كركوك، فالمدينة تعاني تشظيا ووضعا حساسا ورغم وجود ثلاثة مكونات رئيسية فيها إلى جانب أقلية مسيحية، يخوض كل مكون الانتخابات بقوائم ولوائح متعددة، ما يدل بوضوح على أن لا حكومة محلية من دون شراكة حقيقية وتنازلات مكوناتية للبعض، كما أننا لا يمكننا إغفال دور القوى الخارجية والإقليمية في استقرار المدينة سواء الآن أو في المستقبل.
وعليه فإنه على مدى ستة أعوام من إقصاء وتهميش الكرد في كركوك، برزت بعد الانتخابات المحلية الأخيرة حقائق وأبرزها:
أولا: ليس بوسع مكون لوحده تولي إدارة هذه المدينة متعددة المكونات في أي ظرف كان. ففرض إرادة وسلطة مكون بعينه على باقي المكونات الأخرى، يخلق حالة من اللا استقرار والاضطراب السياسي والأمني.
ثانيا: من الأهمية بمكان خلق أنموذج جميل ومميز من الشراكة الحقيقة بين القوميات والمكونات في كركوك. وينبغي أن ينعكس ذلك الأنموذج على مجمل مفاصل السلطة في المدينة وعند سائر مكوناتها. على أن يكون جوهر هذا الأنموذج الدعوة إلى التعايش السلمي بين المكونات ومراعاة العدالة في توزيع المناصب والثروات وتقديم الخدمات.
ثالثا: الحلول العسكرية والأمنية لم ولن تكون سبيلا لحسم الخلافات في كركوك، بل الضرورة تستدعي مشاركة حقيقة من قبل مجمل مكونات المحافظة في إدارة سائر الملفات ومنها (الملف الأمني).
رابعا: إن سياسة محو الآخر سواء أكانت عبر التعريب أم مصادرة أراضي الكرد والتركمان أو من خلال إبعادهم عن مؤسسات الدولة؛ لا طائل منها، ولا يمكنها خلق وإيجاد الاستقرار المجتمعي والسياسي والأمني، لذا فإنه من الأجدر بالجميع نبذ تلك السياسة والاعتراف بالتعددية الثقافية والمكوناتية في المدينة.
كركوك بوسعها أن تتحول من كونها برميل بارود ومركز صراع المكونات الرئيسية في العراق وبؤرة التوتر الإقليمي، إلى نقطة تلاقٍ وأنموذج للتعايش الحضري والديمقراطي فيما بين مختلف مكونات البلد، ومركز لالتقاء المصالح المختلفة.
لا شك أن باستطاعة الكرد نظرا للحظوة الكبيرة التي نالها في الانتخابات المحلية، المبادرة ومـد اليد للمكونات الأخرى من أجل كركوك أكثر أستقرارا في المستقبل، إلا أن تلك المبادرة بحاجة إلى إرادة سياسية من الجانب الآخر، وقد باتت ضرورة لا بد من السعي لأجلها وطرحها في أقرب فرصة.
* مسؤول مركز الدراسات العامة في الاتحاد الوطني الكردستاني