حاتم خاني
شمعدان الغربة وشمعدان العمرالذي يذوب ويتحلل داخل قوامه , اصبحا رداءين يرتديهما شاعرنا بدل رفو وليس بامكانه خلعهما او تغييرهما باردية اخرى , فكلما التفت يمينا ويسارا فلن يقابل سوى بحار المنفى حيث الحزن ينعكس من خلال مرأة روحه .
شمعدان العمر والغربة ..
منفى ومرآة وحزن ،
………………………..
لذاكرة خالطتها الحان واغاني وجع ،
لماض يلاحق قصائد العشق ،
وسراج الشوق فوق الريح
يقطع اشواطا صوب شواطئ الوطن..
هكذا يتكلم الشاعر عن نفسه ويصف حالته ويناجي ذاكرته التي لن تتمكن ان تغيثه فهي الاخرى قد خالطتها تلك الاغاني وتلك الالحان التي تزيد وجعه والامه , لذا يعود الى ماضيه ليستنبط منها قصائد عشقه ويطفئ شوقه من خلال تلك القصائد التي يرصها حول شواطئ وطنه
بدماء الكبرياء والفرط في البكاء
على انغام رقصة..
على جراح وخيبة وخشوع
لأماكن الذكريات و(سوق العتمين)*!!
اتجهت افكار الشاعر لتنقسم الى جزءين وتصطف باتجاهين متضادين فهل يتمسك بكبرياءه الذي يمنعه من الاستسلام وافتضاح امره وعودة شعوره بالشوق والحنين الى مسارات حياته القديمة الممتعة والبريئة, ام ينحو نحوالاتجاه السهل حيث تتوق نفسه وتجيش رغبته في الاستسلام والافراط في البكاء والانغماس في جراحاته التي تلتهب كلما عادت ذكريات ايامه التي قضاها في درابين طفولته ومسالكها الجميلة عندما كان يتجول بين اسواق مدينته القديمة في سوق يدعى بسوق العتمين ( اي السوق المعتم او المظلم ) فتلك الصور لا تفارق مرآته ولا تتيح له سوى الشعور بخيبة الحياة التي وصل اليها الان
حزني ..يصطف بين المعزين
وفي نهايات الحكايات..
الوجع يخبئ نفسه بين ضفائر صغيرات الكورد،
كي يمضي اللعب بين الصغار بشراهة ..
لتمطر رحمة الله ..
لتتوضأ الطفولة كلما طالت الطرق
على عتبات بقايا امنيات انهكتها الحروب ،
وجيوب اللصوص والمرتزقة باسم الوطن!!
ولا تنتهي احزانه , فعندما يحاول نسيان الصراع بين كبرياءه وبين افراطه في البكاء وعندما يحاول التملص من صور ذكرياته التي توجعه , يلتفت ليرى وطنه حيث هو حزن آخر كاد ان ينتهي عندما تصور ان حكاية هذا الوطن قد انتهت ووصلت الى نهاية المطاف , واذا به يكتشف اوجاع هذا الوطن تتوارى خلف براءات اطفال الكورد , فيدعو الاله الى اسقاط رحمته على هذا الشعب لكي تستمر ضحكات الصغار حتى لو كانت وهما مثل وضوء الاطفال الابرياء, فلقد طالت عذابات هذا الوطن واحتجبت حتى الامنيات القديمة بولادة من يتكلمون باسم هذا الوطن ويرتزقون بشعاراته
ربيع ينشد انشودة العبور …
صمت يلف الدروب وعوالم المهاجر..
شمعدان يغتال ويحرق الشموع ،
وشاعر الهمه الشوق لبلاده الاولى ..
ضوء الشموع تؤجج في روحه فيض المنافي،
تختلط لدى الشاعر افكاره ويصمت برهة ليلملم تلك الافكار التي تناثرت بين اتجاهات متعددة تمثل عوالمه الساكنة في مخيلته.
ثم يصف نفسسه ( المهاجر ) والشاعر الذي تتوق نفسه لبلاده , فذكرى بلاده الجميلة تنسيه هموم منفاه ووجوده بعيدا مهما تراءت ذكريات طفولته الحزينة
تلك صفحات طفولته الحزينة في احتفاليات
انكسارات وحريق اعشاب القلب في خوف،
امام عقارب زمن اسود وصمت الشعراء!!
هذه هي حكايات حياته , صراعات افكاره , بافراحها وانتكاساتها , بخوفها ورهبتها من الزمن القادم وما يحمله من مستقبل اسود تجاه بلاده نتيجة صمت المدافعين السابقين , وهم الشعراء الذين كانوا يتغنون بالوطن سابقا , حيث اطبق الصمت على افواههم الان .
شعراء ..يتلهفون الكذب والخداع ،
في صهيل قصائد المديح صوب ينابيع السلطان.
ثراء فاحش ..خمور من براميل العبودية
في زمن الحرية،
ماأقسى ان تسيل دماء الحرية في اجساد
تلهث وراء العبودية والخنوع!
يأخذه الغضب وينسى الام غربته واحزان ذكرياته , وهو يقرأ ويسمع ويشاهد اولئك الذين كانوا يتغنون بجماليات الوطن في السابق ويرصون كلمات الحرية وامجاد الشهداء في كتاباتهم واشعارهم وهم يتربعون الان في مجالس الحكام ويشاركونهم الكذب والخداع الذي يمارسونه ضد هذا الشعب , حيث تلوك السنتهم النتنة مدح هؤلاء الحكام والقاء كل صفات الثناء عليهم .
كما ينتقد البعض الاخر , الذين لا زالوا يتمسكون بحياة العبودية التي تربوا عليها في السابق ويلهثون وراءها في زمن ولد من دماء اولئك الاحرار الذين ضحوا بحياتهم للوصول الى الحرية .
وهذه هي قراءتنا الاولى للشاعر وهو ينحى بهذا الاتجاه وهذا النقد الصريح للجهل الذي لا زال يخيم على بعض الفئات من افراد شعبنا .ولولا تألمه لما يراه ولولا يأسه الآني لهذه الحالة لما دخل في متاهاتها , فما يشاهده من عشق البعض للعبودية وخنوعهم المخزي للاستسلام لها دفعه وحثه لاطلاق هذه الصيحة لعلهم يفيقون من غفوتهم وهي حالة بحق محزنة واليمة نعيشها بشكل يومي ومستمر ويكاد يتبخر فيها كل عشقنا وحبنا للحرية التي طالما حلمنا ان نعيشها بصورة حقيقية .
يا عازفة البيانو …
يا انشودة الجمال والحنين وغزل السماء
لتعزف الحان الصباحات والحياة ،
واغان تعشق ملامح امي ،
وكلمات تزيل ندوب الماضي في خيالاتنا ..
وبعد ان يطرح الشاعر كل همومه ويستأصلها من جعبته , يعود الى حالة الاستقرار والهدوء ليستمتع ببعض الكلمات التي يقوم بتنظيم الابيات منها , فيستعين بها لازالة ترسبات الاحزان القديمة التي التصقت بخيالاته , فيترنم بها ويرى منها ملامح امه .
غريبة انت ايتها الغربة …
اين ستأخذيننا؟ لدهشة البدايات
حيث بقايا اكوام المآسي
تربك نوارس الروح
وها انا امضي من دون وجهة
الى حيث تأخذني الريح !!
والغربة …. الغربة التي يعيش في كنفها , رداءه الذي لا يفارقه حتى وهو في اشد حالات الهدوء والاستقرار , فهو لا يعرف ولا يتنبأ اين ستقوده هذه الغربة في نهاية المطاف , هل سيعود الى بداية ولوجه ودخوله بلاد الغربة حيث دهشته رؤية الديار الجديدة وحيث خمدت مآسي الماضي داخل ذاكرته ؟.
لقد اعترف انه سيعيش دون هدف حيث تتضائل بأستمرار انوار الشمعدان التي يستضيء بها في حياته .