يسمونها شتيمة، وكذلك مسبّة، كنا في السابق في محلة الشورجة بكركوك نسميها بالكوردية “جمين” ( شتيمة )، واغلب الظن انها تسمى كذلك في كثير من الاحياء والمناطق كما الحال في شورجتنا.
لو كانت الشتيمة تعبير عن لحظة عابرة فلابأس، انها تقال في لحظة غضب وتلفظنا بها جمعينا و لا مفر منها . ولكن ان تقع من اللسان الى الزقاق او تدون على الورق وتسجل في صفحات التأريخ، فانها عار و خزي كبيران. لانه مثلما يمييز اللسان و العقل الادميين عن بقية الاحياء، فان الكتابة بدورها هي من تمييز الانسان المعاصر والمتحضر عن بشر ماقبل التاريخ.
ان الانسان و الامم و القوميات يصبحون على الورق احياء و تاريخا و سجلا، ولذلك فانه من المهم ان تعلم ماالذي تحطه على الورق والمنابر والمدونات ؟ ان الشتيمة تخرج من الفم وتتناثر في السماء وتطير في الهواء، ولكن ان تحل على السجلات فلا رجاء ولا فكاك منها وتجلب لصاحبها البؤس والشقاء.
الشتيمة على المنابر الرسمية والمدونات المطبوعة تخرج من كونها لحظة غضب عابرة وتصبح شاهدا ودليلا كبيرا على ثقافة و اخلاق و سلوكيات الشاتم ويصعب عليه بعد ذلك التملص من البهتان و النميمة و قلة الادب .
هناك من الشتامين من لا هوية ولا محل له، غير مكترث، واضح انه فتح على عجالة حسابا في فيسبوك كي يدون الشتائم، من دون ان يعلم ان هويته مكشوفة من متابعة اصدقائه، ويتجلى من الاخير اي من الرجال الموقورين يدعمه و يوجهه و يستخدمه.
هناك من يوقع بأسمه مدعيا انه غير آبه كعنترة، على اساس ان شاربه و عمامته تجعلان منه صاحب سلطة و شان، ويسمح لنفسه بان يدعي على اهلك بامور ما انزل الله به من سلطان، ومع هذا تراه واضعا وناشرا في اسفل صفحته آية من الذكر الحكيم او شعرا قوميا ووطنيا ويدعي النضال القومي و الطبقي. مايعني ان صاحبنا يرى في خصومه ضحاكا و صداما وفرعونا.
و هناك من يصفط لك شتائم الشرف والبهتان ويضع اسفل صفحته صورة عائلته وبناته من دون ان يعلم ان باستطاعة الجميع ان يشتم ولا اسهل من ذلك، معلوم انه حين لا يتم ردّعه فهذا يعني ان المشتوم لا وقت لديه لهذه المهزلة او انه على الاغلب يؤمن بالديمقراطية، او انه متسامح الى حد غض الطرف عن عضب وترهات الشاتمين. او انه يرى ان مكانته لا تسمح له بالرد و ماشابه.
طبعا اود من خلال هذا المنبر ان اتحدث عن الامر كظاهرة مشينة ، والا فمهما كانت الشتيمة قادحة وخداشة فهي لا تستطيع ان تثنيني عن الكتابة والتعبير ، مادام العمر عمرا واحدا و طالما ان الدنيا ليست حكاية واحدة و رواية واحدة.
لقد اخبرني احد الاصدقاء مؤخرا كيف انه ردّ على شتائم احد اقربائه وهو زوج اخته بالقول : كتبت له إن ما تفعله حرب غير عادلة، لانني عاجز عن الرد عليك حين تتحدث بسوء عن شرفي، فأنا خال اطفالك وزوجتك هي اختي.
في الحقيقة لقد صدمتني هذه القصة، ليس من طبعي ان ابوح بامور اجتماعية، ولكني ساقتبس من رد هذا الصديق واقول لشاتمي سوشيال ميديا و اصحاب السعادة والشيوخ : اتركوا النبش في حياة الاخرين وتخلوا عن نسج الافتراء والبهتان، لان هذا حرب غير شرعية وغير عادلة في الوقت نفسه، فان اخواتكم و امهاتكم وزوجاتكم اخوات عزيزات علي و انا ككردي شريف وابن المحلة واخي خيته لن اتعرض الى شرفهن وسمعتهن بل اذود عنهن و احافظ عليهن كما احافظ على اهلي.
تا الله ان مستوانا الاجتماعي المتدني هي ما يدفعنا الى ما تقوله السنتنا و ما تسطره اناملنا ، وهي التي تجعلكم ان تتخذوا من السباب والشتيمة ردا على خصومكم في الفكر و السياسة . والان فان اكبر الشاتمين لـيخجل ان ينقل شتائمه الخادشة من اللسان الى الورق. وما دمتم مستمرين على عاركم بل و عارنا فادعو الله ان يهديكم .
ستران عبدالله