الكاتب..محمد عبد الرحمن
لا تقدمَ ولا اعمارَ حقيقيا مع استمرار الفساد وتعدد اشكاله، وهو الذي غدا منظومة او مؤسسة شبكية واخطبوطية، حتى ليصعب القول انه لم يمتد الى هذه المؤسسة او تلك، او انه لم يجد، وللأسف، طريقه الى الناس.وعندما نقول ان الفساد صار منظومة، فبمعنى انه ليس معزولا عن المؤسسات الحكومية على تعدد وتنوع اختصاصاتها، وان هناك تخادما مصلحيا بين المتنفذين، سواء من هم في السلطة او في خارجها (وقد يكون بعض الذين خارجها هو المقرر والحاكم) وبين مجاميع مختلفة من الفاسدين والمرتشين وأصحاب رأس المال الكبير (الذي معظمه مسروق ربما من الدولة). وهناك مجاميع أخرى توفر الدعم والاسناد والحماية، وهي على أهبة الاستعداد دائما لتحريك منظومتها المتعشقة مع أجهزة وافراد في مؤسسات الدولة.
وعندما نقول انها منظومة متكاملة، فمعنى هذا ان المعالجة لن تؤثر اذا اقتصرت على ما خف وزنه، او اذا تعلقت بالموظفين والافراد غير المدعومين، او اذا واصل من هم في موقع القرار والسلطة اطلاق التحذيرات من “استغلال السلطة والفساد” دون فعل حقيقي، او توجيه المناشدات التي سمعنا منها المئات، عن حرص حقيقي او للتغطية على حقيقة المواقف.
إن الامر المؤكد حتى الان هو ان لا خطوات جدية اتخذت للحد من الفساد، رغم كل ما اعلن ويعلن. والانكى ان المتهمين بالفساد يصولون ويجولون، مستفزين مشاعر المواطنين ومثيرين اشمئزازهم. مثلما حصل اخيرا عند استقبال احد رموز الفساد وكأنه محرر العراق!ثم ان الفساد حين يكون منظومة، فان التصدي له لا يتم بخطوات خجولة مترددة منفردة وغير شاملة للكل، او باختلاق المبررات لاحقا لاخلاء سبيل من يتهم بالفساد، والسماح للحرامي ان يتقدم الصفوف ويحظى بالاحترام والتقدير. وهو ما يحصل لحسابات ضيقة، غايتها شراء هذا الصوت او ذاك في سياق لعبة ليّ الاذرع الجارية بين المتنفذين والحاكمين.
ان ما اتخذ من إجراءات أثبت انه غير فاعل امام هذه الآفة المستشرية، وهو لا يغني ولا يسمن من جوع امام هول المأساة واتساع المنظومة الفاسدة وتداخلاتها وتاثيراتها على السلطات الثلاث.ان التصدي الناجع لابد ان يكون بحزم متكاملة، وعبر حملة وطنية من الإجراءات الفاعلة التي يتوجب ان تتكامل مع جهد شعبي وطني. ومن هنا أهمية وضرورة تنمية الوعي العام، المستهجِن والرافض للفساد بكل اشكاله وانواعه، وتوفير الحماية الكافية للمواطنين المنخرطين في الرقابة الشعبية وهم يؤدون دورهم.
وفي هذا السياق يتوجب ان تعلن وتفتح ملفات الاشخاص المتهمين بالفساد من قبل الجهات الرسمية الحكومية ذاتها، وان يعرف المواطنون الحقيقة بخصوصها، وما تخفي من معطيات واسرار. فمن يريد التصدي فعلا للفساد، لا يمكن ان يركن هذه الملفات على الرف، أيا كانت الذريعة. فهي تخص المال العام، ولا تتعلق بهذا الطرف او ذاك .ولكم عصف الصداع برأس المواطن وهو يسمع عن هذه الملفات، التي يعود اليها البعض من السياسيين المتنفذين كلما ضاقت بهم الأحوال.. يعود اليها مهددا، متوعدا، ولمصالح خاصة بعيدا عن الحرص على أموال البلد العامة!
ان الناس تريد ان ترى من يفتح هذه الملفات، وليس من يغلقها بذريعة فتح صفحة جديدة، او”كي لا يتزعزع الامن والاستقرار المزعومان”!
ولعل القناعة كبيرة بأن يلعب الحراك الشعبي دوره في ادامة الضغط، كي تتخذ خطوات متناسقة متوالية، ازاء كل من تحوم حولهم شبهات فساد، وعدم استثناء أيّ كان لأيّ اعتبار كان.
المصدر ..طريق الشعب