يبدو أن إعلان نتائج الانتخابات التشريعية العراقية الأخيرة من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات قد أبقى مسألة الاعتراضات غير منتهية وغير محسومة، ما فتح الباب أمام جميع المتشككين في أصواتهم والمتيقنين من فوزهم لإعلان مواقفهم حول القضية، فالفائزون يرحبون وإن كان بعضهم قد خسر القليل من مقاعده، والخاسرون ماضون في رفضهم القاطع للنتائج والدعوة لإلغاء الانتخابات برمتها وإن زاد شيئا من مقاعدهم.
ومن الواضح أن المعترضين غير متمسكين وغير ملتزمين بما يصدرونه من بيانات نارية متشددة إذ ظهر أنهم ليسوا جادين ولا مصرين بما فيه الكفاية على ما يقولون في خطاباتهم المتشنجة حول العملية الانتخابية، والمفوضية القائمة على تنظيمها، وبعثة الأمم المتحدة المراقبة لها، حيث نجدهم يتحدثون عن كيفية تشكيل الحكومة، ونوعها، ومهامها المستقبيلة خلال لقاءاتهم، واجتماعاتهم الثنائية والجماعية، سواء مع الأطراف السياسية المتناغمة معهم، أو أخرى مخالفة لتوجهاتهم.
ما تلمسناه في بيانات وتصريحات القوى السياسية، وقادتها، وزعمائها، ورموزها، هو أن العملية تسير نحو النهاية والحسم مهما كانت الاعتراضات، فلا سبيل لإلغاء الانتخابات قانونا ودستورا، وحجة إمكانية حصول تزوير مؤثر بشكل كبير على النتائج ضعيفة جدا، فمع النظر في الطعون المقدمة من قبل الكيانات وحسمها قضائيا وإعادة الفرز والعد اليدوي لعدد كبير من المحطات والصناديق لم يتجاوز التغيير الحاصل في النتائج سوى 5 مقاعد أي 2% من مجمل النتائج وهي نسبة ضئيلة لا ترقى إلى الاعتراف بها أو الحكم ببطلان النتائج على أساسها.
ومع كون النتائج الأولية التي كانت المفوضية قد أعلنتها من قبل غير نهائية بدأت الأطراف السياسية بما فيها الخاسرة بمشاوراتها ومناقشاتها لتشكيل الحكومة المقبلة، أما الآن وبعد تأكيد النتائج من قبل المفوضية الانتخابية فستأخذ تلك المناقشات والمفاوضات وتيرة أسرع وزخما أكبر، إذ جاء الإعلان كضوء أخضر لانطلاق الأطراف بمقترحاتها لتشكيل الحكومة والمضي قدما بما كانت منشغلة فيه منذ اليوم الذي تلا يوم الاقتراع ومن المتوقع أن تشهد الأيام القليلة القادمة حراكا سياسيا شيعيا كورديا سنيا متسارعا من أجل حسم تشكيل الحكومة واختيار الرئاسات الثلاث التي لطالما كانت عصب الحكومة العراقية الأهم وأصعب جزء في تشكيلها في الكابينات الوزارية السابقة بعد 2003، أما الاتفاق على الوزارت والأمور الأخرى فسيكون أكثر يسرا وأقل استغراقا للوقت.
وعلى ضوء ما جرى ويجري منذ حوالي 50 يوما تمخضت المناورات السياسية عن جبهيتن شيعيتين متضادتين بخصوص الانتخابات ونتائجها، واحدة مرحبة ومثنية على العملية والمفوضية، وأخرى ممتعضة ومنتقدة لهما، ومحملة المفوضية والأطراف الخارجية المسؤولية في فشل العملية كما تدعي، ومع أن الاعتراضات الكبرى كانت من داخل البيت الشيعي نفسه، إلا أن الواقع مغاير تماما ويقول أن هذه الأطراف الشيعية لن تسمح بتهدد أغلبيتها النيابية وتحكمها في إدارة الدولة، فبعد كل خلاف سرعان ما تتوصل إلى نقاط مشتركة وتنهي الجدال الحاد فيما بينها وتتفق على حل يرضي الجميع والأمثلة على ذلك خلال الـ 18 عاما الماضية كثيرة انتهت جميعها بتوافقات واتفاقات بيتية شيعية.
نقطة أخرى مهمة تخفف من إصرار المعترضين على النتائج هي أن معظم الكتل المشاركة قابلة وراضية بالنتائج وإن كانت لا تبدى ذلك علنا، وما المعترضون سوى فئة قليلة ليس بإمكانها وقف مسيرة العملية الانتخابية فقد جربت الطرق القانونية والمدنية من دون فائدة، ولعلها أدركت الآن أن كل ما بقي لها هو الانخراط في العملية والقبول بحصتها وعدم الوقوف بالند منها خوفا على مصالحها، فمن لم يرض بالقليل لم يسعفه الكثير.
سوران علي
نقلا عن صحيفة إيلاف الألكترونية