خاص للمسرى
خيري هژار *کاتب كوردي راحل
مرة اخرى وبِرتمٍ مختلفٍ عن رحلاتك السابقة، هذه المرة صوب الجبال وايضا للبحث المتواصل والدؤوب عن العسل المصفى والحقيقي هنا وهناك الى ان تصل الى آخر بقعة على هذه الارض التي دحاها الله لتصبح شبه مكورة ومذللة للمشي على ظهرها، ولكنك يا عزيزي حينما تصل الى نهايتها فلا تنسى بانك ستصبح في نقطة البدء والانطلاق مجددا، انه ديدنها وسر من اسرار الخليقة واعجاز وعظمة خالقها، نعم انك الآن على قمم الجبال وترنو بعيدا فيتراءى امامك شخوص وملاحم ودواوين لشعراء افذاذ وتسمع قطعا موسيقية لفنانين كبار، كل هذه الاشياء تجدها قبالتك وانت في ذلك العلو الشاهق وهي مقومات وعمد واسس حضارة لأكبر امبراطوريات العالم، وتختلج في صدرك نبضات تشد على الفؤاد، لتخلق لوحة انسانية عظيمة تقف امامها مشدوها ومنقطعا بكلية ذاتك الشاعرة، لعلك ترى بين ثناياها رشفة من ذلك العسل الذي تشعل نار البحث عن حقيقته في روحك التي ما فتئت تحلق كالغرانيق لتتغذى على ذلك الرحيق المختوم والشهد المستخرج من بطون النحل الملائكي ذا اللون اللازوردي , فتشعرك باللذة الحميمة والواصلة الموصولة بالحقيقة الملتهبة في قرارة النفس الضامئة لأحتضان وجودها الأول منذ الأزل وفي حميا الغزل، اجل ايها الشاعر الذي أرق فيك الجنان وعظم في صدرك الحنان وأملس في خاطرك الوجدان ذلك البحث الماجلاني الحثيث والذي اضحى عندك من اعمال القدر التي لا مفر ولا مهرب من أتيانها والغوص في اعماق الطبيعة الباهرة والفياضة للقيا العسل، والطبيعة اكرم واسخى ما تكون على القمم الشاهقة وبين الصخور والأطواد والأشجار الكبيرة وتحت الغمام والسحب , والعسل فيها اشهى واعظم طعما ومذاقا في هذه الأماكن المرتفعة والسامقة والنحل ابهى وانظف واجمل مايكون في هذه الأصقاع والمرتفعات، وعليه فانكم أرتأيتم في هذه الرحلة الجبلية ان تروا بأم اعينكم حبوب اللقاح والأزاهير الملقحة والخلايا البعيدة المنال لأيدي القراصنة والصيادين، اية قصيدة تكتب على هذه الجبال ستكون عظيمة عظم الجبال ونقية كنقاء العسل وبهية كبهاء الطبيعة وسخية كسخاء الغمامة وهندسية بذكاء عاملات الخلية ومشرعة مترعة بوجه الانسان الشاعر والاديب الحذق اللبق، نعم لوكنت الى جانبك واقفا ساهما وواجما ومأخوذا بسحر الطبيعة المغدقة والمشرقة، لنظمت قصيدة يسمعها هوميروس ودانتي الأليغاري وبوشكين الروسي وبلزاك الفرنسي وشكسبير الأنكليزي وهيمنغواي الأمريكي ونزار السوري ودرويش الفلسطيني وخاني الكوردي وخيام الفارسي ونسين التركي وطاغور الهندي واقبال الباكستاني وكل الشعراء العمالقة والادباء الجهابذة وحتى الأحناف والحنابلة، ولكن وا أسفاه فانني اراك من خلال الصورة المؤطرة بنشوة تلك البقعة الجليلة، ولا ينبغي ان اكون هناك لسبب الفقر والعوز اللذين امتلكهما في حضن الوطن بروح حية في جسد شبه ميت بفعل الفساد الذي يحرمنا السفر والتمتع برؤية خلابة الطبيعة الثرة والكريمة هناك، نعم لنا طبيعة متشابهة لتلك التي انت في جنباتها ولكن ان لم تغترب وتحتك بالشعوب واناس لا نراهم ويشبهوننا في الخلق ونجهل حضارتهم وعاداتهم وتقاليدهم، نعم اننا هرمنا وحرمنا هذا الحق الطبيعي الذي حبانا الاله المعظم فوق سماواته، من قبل الساسة ودهاقنة الحكم ولا اعتقد باننا سوف تتاح امامنا هذه الفرصة الشاعرية العظيمة في القريب العاجل، ايها الشاعر الجليل طب نفسا وانت في غربتك وافتقادك لأعزائك وأحبابك وأهنأ برحلاتك، التي تثريك وتعزك وتجلك بين اصدقائك واقرانك الشعراء والكتاب والرحالة في أي مكان كانوا ووجدوا، فالرحلات كما الكتب فيها المعرفة والحكمة والعظة التي تصقل الشخصية وتنمي الذاكرة وتنعشها وتغدق على الفؤاد احاسيس غاية في الرقة والجمال وتبهر الشعور وتغذيه بالاصالة وحب الانسان وتثمر العقل افكارا رائعة وجليلة تعي الخلق وتدني من الخالق فطوبى لك وهنيئا لك هذا العشق المضطرم للقاء عسلك الذي ما اظنك سوف تلتقي به في رحلتك هذه ايضا لان جعبتك بعد ملأى، ودخيلتك حبلى بما لم تره وتشاهده لحد اللحظة ونفسك التواقة من يلجمها وهي تشتهي وتستلذ وما لأوارها من اخماد وانكفاء , للحرية مسار عالمي لا يحد ولا يحاط به , ولهواها نيران في النفس تئيد ابدا ولا تنطفىء , وهي اشبه ماتكون بالدوائر ما ان تنتهي من احداها حتي تبدأ باخرى وهكذا تباعا وتترا , ونفس الانسان مجبولة على الطمع والجشع ولا تكتفي , انني اراك ايها الشاعر العطش ستظمأ من جديد بمجرد عودتك من رحلتك هذه لتنطلق الى اخرى فيا ليت شعرى اين ستكون الوجهة والهدف، وانني اتمنى ان تشد الرحال والمئزر صوب افريقيا لكي ترافق الاسود والنمور والقرود والتماسيح والهنود الحمر لان بشرتك من بياضها قد لانت وارقت وفيها سوف تخشوشن من جديد، حبك لوطنك سوف يقودك الى الزوايا الاربعة من العالم وستزداد عشقا له، وتسطر صفحات مضيئة في سفر عشاق الوطن الذين سيخلدون.