أ.د. فائق مصطفى
المقالة فن من الفنون الأدبية النثرية، إلى جانب الرواية والقصة القصيرة والسيرة الذاتية والمسرحية (نوعها النثري). أخذ هذا الفن يشيع في العالم العربي والإسلامي، في القرن التاسع عشر، مع ظهور الصحافة الحديثة التي تعد المقالة بأنواعها مكونا رئيسا من مكوناتها، إلى جانب الخبر والتحقيق.لكن المقالة، قبل هذا التاريخ، عرفت عند العالم والأديب البغدادي(ابن الجوزي)(510-597ه) في كتابه(صيد الخاطر)، من دون أن يطلق عليها مصطلح(المقالة)، بل أطلق عليها المصطلح الشائع في زمانه (الفصل). ثم جاء بعده الكاتب الفرنسي(مونتاني) (1532-1592) الذي أصدر كتابا سماه (محاولات)، ضم مجموعة من المقالات القائمة على تعليقاته و شروحه على النصوص والأفكار التي كان يقتبسها من الكتب الفلسفية والأخلاقية التي يقرؤها. وقد شاع هذا الكتاب كثيرا نتيجة ترجمته إلى اللغات الأوروبية حتى عد المؤرخون كاتبه رائد المقالة في العالم.
إن المقالة- ولاسيما الأدبية (الذاتية) –نصوص يجتمع فيها الإبلاغ والإمتاع، أما الإبلاغ فهو الهدف الأول للمقالة حيث تستثمر اللغة من أجل بلورة فكرة أو وجهة النظر، يريد كاتبها أن يعرض لها. وأما الإمتاع فهو هدف آخر لها، تكونه وسائل وخصائص أدبية، يلجأ إليها الكاتب، ليجسد بها فكرته في شكل أو قالب مشوق يجعل الفكرة تمس عقل المتلقي ووجدانه من الجمهور، والأدب الذي يكون هدفه الأول الإمتاع وإثارة العاطفة والوجدان لتحقيق التأثير.
وهذا ماسعى إليه الباحث الإعلامي د. ژینۆ عبدالله البرزنجي، في كتابه هذا حيث سعى إلى دراسة الوظيفتين الإعلامية والجمالية في نصوص مقالات لكاتبين بارزين من كتاب جريدة (الاتحاد) الغراء، الجريدة المركزية للاتحاد الوطني الكردستاني، هما مصطفى صالح كريم، وعبدالمنعم الأعسم، اللذان يكتبان، منذ سنوات،عمودا صحفيا،(اليوم الثالث) للكاتب الأول، و(جملة مفيدة) للكاتب الثاني. اختار الباحث مقالات هذين الكاتبين لسببين اثنين، الأول احتواء هذه المقالات على أفكار وآراء تنويرية مهمة في قضايا الاجتماع والسياسة والثقافة ، والثاني صياغة هذه المقالات في أساليب اعتمدت علی لغة سهلة وواضحة، بعيدة عن التكلف والغموض، لكنها، في الوقت نفسه- تحمل خصائص وسمات أدبية تحث القارئ على قراءتها، و الإفادة منها. وبعبارة أخرى إن مقالات هذين الكاتبين، تتحقق فيها الوظيفتان الإعلامية والجمالية، اللتان هما موضوع هذا الكتاب.
والكتاب، أساسا، رسالة ماجستير،نوقشت في كلية اللغات بجامعة السليمانية، العام 2010، بإشرافي، وهي من بواكير الرسائل الأكاديمية التي تجمع بين دراسة الإعلام والأدب ، ونطمح أن ندرس مقالات كتاب آخرين من كتاب كردستان، أمثال محمد الملا عبدالكريم ، والدكتور عزالدين مصطفي رسول، وفلك الدين كاكايي، وتحسين كرمياني وآخرین، حتى نغني مكتبة المقالة والإعلام في كردستان.