بعد عام 2003، شهد العراق تزايدا كبيراً في حالات استهداف الصحفيين الذين حاولوا نقل الحقيقة وتسليط الضوء على الأوضاع في البلاد كانوا يعملون في بيئة خطرة جداً، حيث كانت هنالك استهداف ارهابي اصولي مدعوم من الخارج للعراق وكذلك النزاعات المسلحة، العنف الطائفي، والفساد تشكل تهديداً مستمراً على حياتهم.
كان العراق في تلك الفترة يعد أحد أخطر الأماكن على الصحفيين، حيث أدرجت العديد من المنظمات الدولية، العراق كواحد من أخطر الدول على العاملين في المجال الإعلامي بسبب التهديدات التي كانت تتراوح بين الجماعات المسلحة وحتى الفصائل السياسية.
وأصدرت العديد من المنظمات الدولية تقارير حول استهداف الصحفيين في العراق بعد عام 2003، تعتبر العراق واحداً من أخطر الأماكن على الصحفيين في العالم وقد صنفت مراسلون بلا حدود العراق باستمرار كواحدة من أخطر الدول على الصحفيين منذ الغزو الأمريكي في 2003.
وفي تقريرها لعام 2020، أكدت المنظمة أن أكثر من 500 صحفيًا قتلوا في العراق منذ عام 2003، مما يجعله من بين الدول التي سجلت أكبر عدد من حالات قتل الصحفيين و أشارت إلى أن عمليات القتل لم تكن مقتصرة على مناطق الحرب فحسب، بل شملت أيضًا استهدافًا ممنهجًا للصحفيين الذين كانوا يغطون قضايا الفساد والانتهاكات.
وفي تقاريرها السنوية ايضا ادرجت اللجنة الدولية لحماية الصحفيين (CPJ) العراق بشكل متكرر ضمن البلدان التي تشهد أعلى معدلات قتل الصحفيين، مشيرة إلى أن الصحفيين في العراق غالبًا ما يُستهدفون بسبب تغطيتهم للقضايا السياسية والأمنية،ووفقا لتقرير اللجنة لعام 2020، فإن العديد من الجرائم ضد الصحفيين في العراق لم يتم التحقيق فيها بشكل كافٍ، مما يترك مرتكبي الجرائم دون عقاب، وهو ما وصفته اللجنة بـ”ثقافة الإفلات من العقاب”.
اما الاتحاد الدولي للصحفيين (IFJ) فقد اكد أن العراق كان البلد الأكثر دموية بالنسبة للصحفيين خلال الفترة من 2003 إلى 2013. وأفاد بأن العديد من الصحفيين العراقيين استهدفوا لأنهم حاولوا تغطية القضايا الحساسة مثل الطائفية والفساد والعنف الميليشياوي وأصدرت المنظمة تقريرًا في عام 2014 يفيد بأن ما يقرب من 500 صحفي قتلوا في العراق بين عامي 1990 و2014، معظمهم خلال الفترة التي تلت الاطاحة بالنظام العراقي .
وفي تقرير لها حول سلامة الصحفيين، أشارت منظمة اليونسكو إلى العراق كمثال بارز على الدول التي تعاني من الإفلات من العقاب في جرائم قتل الصحفيين. وأكدت أن الصحفيين الذين حاولوا فضح الجرائم والفساد غالباً ما يواجهون تهديدات بالقتل.مشددا على الحاجة الملحة لتحقيقات مستقلة وفعالة في الجرائم ضد الصحفيين لضمان محاسبة مرتكبي هذه الجرائم.
كل هذه التقارير تجمع على أن الصحفيين في العراق عاشوا وما زالوا يعيشون تحت تهديدات مستمرة، وأن الإفلات من العقاب في جرائم قتل الصحفيين ساهم في استمرار هذه الانتهاكات.
وفي إقليم كردستان ، ورغم الاستقرار النسبي مقارنة ببقية أجزاء العراق بعد عام 2003، إلا أن الصحفيين لم يكونوا بمنأى عن الاستهداف والتهديدات فقد شهد الإقليم تزايداً في حالات استهداف الصحفيين الذين حاولوا تسليط الضوء على القضايا الحساسة مثل الفساد الحكومي، وحقوق الإنسان، والانتهاكات السياسية.
وتُعد حرية التعبير والصحافة في الإقليم موضع تساؤل، مع وجود فوارق بارزة بين مناطق نفوذ الحزبين الكرديين وخاصة ان منطقة نفوذ الاتحاد الوطني معروفة بصرح الحريات والتعبير عن الراي .
وقد وثقت العديد من المنظمات الدولية والمحلية هذا الأمر،منها منظمة مراسلون بلا حدود التي سلطت في تقاريرها السنوية، الضوء على حالات القمع التي تعرض لها الصحفيون في إقليم كردستان مشيرا إلى أن بعض الصحفيين الذين انتقدوا الحكومة المحلية أو كشفوا الفساد تعرضوا للاعتقالات أو التهديدات بالقتل.كما وسجلت حالات اعتداء على الصحفيين أثناء تغطيتهم للاحتجاجات ضد الحكومة، وخاصة تلك التي تتعلق بتأخير دفع الرواتب وقضايا الفساد.
وكذلك اصدرت اللجنة الدولية لحماية الصحفيين (CPJ) عدة تقارير تشير إلى قمع حرية الصحافة في إقليم كردستان، مشيرة إلى حالات قتل واعتقالات لصحفيين. من أبرز تلك الحالات مقتل الصحفي سردشت عثمان عام 2010، الذي أثار موجة من الغضب داخل وخارج الإقليم. سردشت كان قد كتب مقالات ناقدة للحكومة، وتعرض للاختطاف والقتل، مما أثار انتقادات دولية حول سلامة الصحفيين في الإقليم ،وقد وثقت اللجنة أيضا قضايا محاكمات صحفيين بناءً على قوانين التشهير أو الأمن الوطني، التي تستخدم بشكل متزايد لإسكات الأصوات المنتقدة.
من جهتها اكدت منظمة العفو الدولية في عدة تقارير لها أن السلطات في إقليم كردستان استخدمت القوة المفرطة ضد الصحفيين، خاصة أثناء تغطية الاحتجاجات المناهضة للحكومة. أشارت أيضًا إلى أن السلطات الكردية تلجأ إلى المضايقات والتهديدات واعتقالات تعسفية ضد الصحفيين والمدونين الذين يعبرون عن آراء ناقدة.مؤكدة أن عدم وجود شفافية كافية في التحقيقات المتعلقة بالجرائم ضد الصحفيين يشير إلى ضعف حماية حرية التعبير في الإقليم.
وفي تقريرها لعام 2020 تؤكد منظمة هيومن رايتس ووتش تزايد الهجمات على الصحفيين في إقليم كردستان الذين يغطون قضايا الفساد أو ينتقدون السياسات الحكومية. ذكرت المنظمة حالات اعتقالات تعسفية وتهديدات بالقتل، بالإضافة إلى إفلات الجناة من العقاب.
حسب احدث التقارير والبحث المستدام تم التوصل الى الرقم الفعلي للصحفيين الذين استشهدوا في العراق من 2003 حتى 2024 ويبلغ (551) شهيدا وهذا الرقم ليس من السهل التغاضي عنه وعدم الوقوف عنده فليس هناك بلد في العالم قتل فيه هذا الكم من الصحفيين في هذه المدة وهم ضحوا بحياتهم من اجل ايصال الحقيقة للعراقيين والعالم .
للاسف الشديد كما تذكر اغلب التقارير الدولية فان إفلات الجناة من العقاب امر مشين لسمعة الدولة العراقية واقليم كردستان العراق اضافة الى غياب نصب تذكاري يخلد تضحياتهم كان اجحافا بحقهم وبحق راية الحرية التي تقرر تحرير العراق في ظلها وينعم اقليم كردستان بفيدراليتها الدستورية .
انطلاقا من هذه الحقائق وفي خطوة شجاعة ومسؤولة تنم عن صميم نهج فقيد الامة الراحل مام جلال، انبرى السيد قوباد طالباني لبناء نصب تذكاري لشهداء الصحافة في العراق في (بارك ازادي-حديقة الحرية) باسم “حراس الحقيقة” وهو صرح يخلّد ذكرى الصحفيين الذين فقدوا حياتهم في العراق وإقليم كوردستان منذ عام 2003 وايضا تكريم لشجاعتهم والتزامهم بايصال الحقيقة والحفاظ على إرثهم وتخليد اسمائهم إلى الابد.
ولم يتوقف هذا العطاء عند النصب التذكاري فقط ،بل تم تخصيص موقع خاص باسم (حراس الحقيقة) على شبكة الانترنت لتوثيق البيانات والاحصاءات والتقارير المتعلقة بالصحفيين الذين فقدوا حياتهم اثناء مهامهم وعنوان الموقع هو (www.guardiansoftruth.iq) وعند التصفح فيه نجد احصائيات عدد حول عدد الشهداء في كل عام بين 2003 الى 2024 اضافة الى عدد الشهداء حسب المحافظات التي فقدوا فيها حياتهم .
وجاء كالاتي :
بغداد:286
نينوى:102
صلاح الدين : 28
الانبار : 24
كركوك : 22
ديالى : 21
البصرة : 13
اربيل : 12
النجف : 9
بابل : 8
ذي قار : 7
السليمانية : 5
كربلاء : 4
المثنى : 3
دهوك : 2
واسط : 2
حلبجه : 1
القادسية : 1
ميسان : 1
*المجموع :551
أهمية كبيرة ومعانٍ متعددة
ان بناء صرح تذكاري للشهداء الصحفيين الذين قتلوا في العراق يحمل أهمية كبيرة ومعانٍ متعددة، سواء على المستوى الوطني أو العالمي في ظل الظروف الصعبة التي واجهها الصحفيون في العراق، وخاصة منذ عام 2003، يعبر هذا المشروع عن تقدير عميق لتضحياتهم ودورهم في الدفاع عن الحقيقة ونقل الأحداث بموضوعية في بيئة مليئة بالعنف والخطر ويحمل في طياته معان كثيرة واهداف عديدة ابرزها :
-هذا الصرح تكريم وتخليد ذكرى الصحفيين الشهداء.
-هذا الصرح رمز للدفاع عن حرية التعبير.
-التوعية بالمخاطر التي يواجهها الصحفيون.
– هذا الصرح سيعزز مبدأ المساءلة والإفلات من العقاب.
– هذا الصرح بمثابة إلهام للجيل الجديد من الصحفيين.
-بناء هذا الصرح يعزز الوحدة الوطنية وجسر التاخي والتعايش بين مكونات العراق في ظل الانقسامات السياسية.
بناء صرح (حراس الحقيقة) في السليمانية فرصة لتكريم شجاعة الإعلاميين الذين قدموا حياتهم من أجل نقل الحقيقة، ويشكل رمزاً لمقاومة القمع والدفاع عن حرية الصحافة والتعبير مثلما يعزز فكرة المحاسبة ويعمل كأداة للتوعية بالمخاطر التي يواجهها الصحفيون، مع إبقاء أسمائهم خالدة في الذاكرة الوطنية.
صروح و تجارب مشابهة حول العالم
وهناك تجارب مشابهة حول العالم لتكريم الصحفيين الذين ضحوا بحياتهم دفاعًا عن الحقيقة وحرية الصحافة. هذه الصروح تعمل كرموز لحرية التعبير ولتعزيز الوعي حول المخاطر التي يواجهها الصحفيون في مناطق النزاع أو الأنظمة القمعية ومن ابرز الأمثلة العالمية:
-النصب التذكاري للصحفيين في واشنطن
– النصب التذكاري لحرية الصحافة في مكسيكو سيتي
– نصب صحفيي فيليت في تركيا:
– نصب شهداء الصحافة في الفلبين
-نصب الحرية للصحفيين في روسيا
الحرص والالتزام بحرية الصحافة
ختاما نذكر بان بناء صرح (حراس الحقيقة) في السليمانية وغيره من الصروح العالمية دليل على الحرص والالتزام بحرية الصحافة والتعبير ويلهم المجتمع الدولي للتحرك لحماية الصحفيين من العنف والاضطهاد، ويؤكد على أهمية المساءلة وعدم الإفلات من العقاب وكذلك بمثابة نسيم من الوفاء يجعل من روحهم ترقد بسلام و إباء.
ومثلما اكد السيد قوباد طالباني في كلمته اثناء افتتاح النصب التذكاري “سيبقى الصحفيون الشهداء خالدين، وإرث القتلة هو العار الأبدي و نأمل ألا تتم إضافة أي أسماء أخرى إلى هذا النصب التذكاري في المستقبل”.
تحية واجلال لروح الشهداء الصحفيين البسلاء.
والف تحية لمبادرة السيد قوباد طالباني وكل من ساهم في تشييد هذا النصب التذكاري الشامخ.