خاص للمسرى
خيري هزار
إلى بدل رفو …
بوركت من رحالة تجوب الأصقاع والوهاد والجبال والبراري ليضيء اسم الوطن
من دواعي السخرية والاشمئزاز وحزازة النفس من جهة والتعاطف مع الجنس البشري عموما من جهة ثانية، أن نرى قبورا للكلاب وتوضع لها شاخصات وترسم عليها صور للمدفون تحتها في مكان من هذه الدنيا المليئة بالعجائب. وفي مكان آخر ترمى الكلاب بالحجارة والعصي بل وحتى الإنسان يهان حياً حتى حين دفنه يوضع مع مجموعة جثث وينهالون عليها بالتراب والحجارة في المقابر الجماعية التي تكتشف كل يوم .. في بلاد العالم الكلب محترم يخلد ذكراه في النفوس قبل العقول، وفي بلادنا تمتهن كرامة الإنسان ويهان ناهيك عن طمس معالمه وكل ما يتعلق به من ذكرى ومواساة.
هذا ما رأيناه من خلال تتبعنا للوحاتك المؤثرة جدا في القلب ،وتحديدا اللوحة رقم 11 ذلك الرقم الأزلي معبرا عنه بقيمة الإنسان وكرامته عند خالقه. بل وأن يوسف عليه السلام رآه في منامه على صورة الكوكب. ولكن عندنا، يعامل الناس كالعبيد فما بالك بالكلاب. فخير وصف يوصم بها مسعورة وعقور .
أما بخصوص الصورة الجميلة والأنيقة فيتبين لنا أن الشيخوخة عندهم لا مكان لها في حياتهم بل وحتى في أذهانهم حيث نرى بأن العجوزين ، ولا يحق لنا أن نسميهما عجوزين، إنهما ما شاء الله في عنفوان حيويتهما ومستعدان لتسلق الجبل، فضلا عن تجانسهما الروحي والعاطفي. سبحان الله. إن العجائز والشيوخ من أمثالهما عندنا نجدهم منزوين في الزوايا المظلمة من البيوت وقد أصبحوا عالة على أولادهم أو راقدين على أسرة البركة في المستشفيات وتحديدا في الطابق الرابع المرعب .
أما بخصوص المناظر الخلابة الأخرى فنستشف منها العناية الفائقة بالجمال والنظافة بعكس ما عندنا حيث لا مكان للنظافة في منتجعاتنا غير السياحية و لا ترتي لأشجارها أو تنضيد لفسائلها فترى شتلة هنا وفسيلة تبعد عنها ربع ميل. وتغمر أماكن الجلوس رائحة نتنة والفضلات تتكدس بين ثناياها. فالسياحة عندنا تشكو من كثرة النياحة عليها.
بالرغم من جمال طبيعة تلك الجزيرة الاثيرة والوثيرة الا ان البراكين تطمس بين حين وآخر معالمها وعنفوان جمالها والقها .فلو كانت البراكين تنشط عندنا ،ولا سمح الله إنه مجرد افتراض، لما بقي على سطح جبالنا واراضينا أثر من حياة او نشاط جمالي .فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم من الكسل عندنا ومن الرخاوة والخمول والرتابة وقلة الحيلة وعدم الاكتراث لجمال الطبيعة والانتقام من المصائف والمواقع السياحية. وينطبق قول الشاعر علينا (هذا ما جناه أبي علي وما جنيت على أحد) . أما بخصوص التعامل الانساني لاهل الجزيرة مع المصطافين والسياح اضافة الى ما أوجزت لنا من خلال ما كتبت في مشاهداتك من تسامح ورأفة وحنو الجانب ولطافة المبسم وانشراح في الصدر لديهم فهو أيضا نقيض ما يتخلق به أصحاب الاماكن السياحية غير الحكومية لدينا. فيا ويلي من ادبهم الذي لا يليق بالإنسان كإنسان وقلة احترامهم لبنو جلدتهم بشكل خاص. أما مع السياح الاجانب ربما يستمرئون شيئا من اللباقة وفضلة من حسن الخلق تجاههم لا لكحل عيونهم وانما ليستدروا نقودهم ومقتنياتهم ليس الا . أما الآثار التاريخية عندنا فشىء يفوق خيال الاثري ومتعقب الآثار .فالمنحونات الحجرية في اماكنها لا تفهم منها لا تاريخا ولا ارقاما فكلها ترقد تحت ذكريات العشاق وشخابيط الصبية ورسوم الجهلة بل وحتى باتت تستقبل اللعاب والمخاط وحتى البراز في اوقات عديدة .انا لله وانا اليه راجعون . نحن نأمل من شعبنا المسكين والمضطهد لعقود طويلة حينما يقرأ المشاهدات التي يرسلها او يكتبها له هواة المشاهدة والاستطلاع ان يستفيد منها او ان يرعوي من خلال رؤيتها .ولكن لا جدوى ولا فائدة فالجرة مكسورة واليد الفنانة مبتورة والعقل الواعي والمبدع والوثاب الذي يضطرم شوقا للخلق والابداع مفقود وموؤود . اننا بحق أمام كارثة انسانية كبيرة وخصوصا بعدما فتحت امامنا مصاريع العولمة والحداثة فيا ليتها لم تفتح فبها فتحت لنا ابواب جهنم العياذ بالله .ويحضرني مشهد مروع من مشاهد الانتفاضة التاريخية لشعبنا ضد الطاغية العفلقية ،وكنا حينذاك في محافظة اربيل، والاماكن والمواقع العسكرية والحزبية استبيحت امام الناس. فرأيت أمرأة طاعنة في السن وتحمل على كتفها جهاز كومبيوتر وكانت اسلاكه تتدلى على ظهرها. قلت لها: يا خالة ماذا يفيدك هذا الجهاز ؟فقالت: يا بني لعله يباع بشىء من النقود .
فالعولمة سلاح ذو حدين اما أن تسخر لك وتمتطي على متنها صوب الحقيقة العظمى أو ستكون نارا تأكل حشاشتك ان لم تفهمها وتعي مقاصدها . فحوى المشاهدات تصلح زادا تربويا وتوعية وثقافة لمن يريد ان يسير في ركب الحضارة والمدنية وليس للجهال والاميين الذين يستقلون قاطرة التخلف والعنجهية والذين يتولون المناصب الحساسة والمركزية ويستبيحون اموال الشعب ومحرماته ويعيثون في الارض الفساد ويشترون الشهادات المزورة على حساب العلم والثقافة بل وحتى حرم جامعاتنا لم تسلم من غرورهم وجبروتهم فاستحلوها وهتكوا مقدساتها .
اخي الكريم اعلم أنك تجشمت عناء السفر والترحال في سبيل ان تفيد وطنك ومواطنيك وتنقل اليهم صورا غاية في الروعة والجمال ويتأثر بها حتى الصم البكم ناهيك عن العمي. فلو قرأت لهم لاستفاضت اعينهم شوقا لرؤية تلك الاماكن والمجاهل البعيدة والنائية، ولكنها لا تفيد اناسا لا يفهمون عمق الحضارة وجل همهم بطونهم وقصورهم وسياراتهم الفارهة فمن يقرأ ومن يكتب ؟ بالله عليك قل لي من رأيت من الناس الذين على مستوى من الثقافة وأنت بين ظهرانيهم وخاصة في احدى مناطقنا السياحية المغمروة بالاوساخ والفضلات والمطموسة آثارها غير حفنة من الصبية المراهقين الذين لايصل الفهم والوعي عندهم الى مستوى انوفهم ؟ مشاهدات رائعة نقدرها حق قدرها ونشد على يد ناقلها فلعلها يوما تجمع في موسوعة سياحية او دليل سياحي ينفع .بها بوركت من رحالة تجوب الاصقاع والوهاد والجبال والبراري وتنهل منها علما وثقافة ومدنية .والى غيرها من المشاهدات الاكثر منها جمالا واثارة للوجدان الحي واليقظ والسلام ختام.
ملاحظة : كتبت هذه الاسطر على ضوء المشاهدات الجميلة للرحالة الكردي بدل رفو والصور الرائعة في جزيرة صقلية.