مع اتساع رقعة التطور التكنولوجي، ودخول وسائل التواصل الاجتماعي إلى عمق الحياة اليومية، أخذت العلاقات الاجتماعية منعطفًا جديدًا، اتسم – في كثير من حالاته – بالتباعد الإنساني رغم “الاتصال” الافتراضي المستمر.
لقد كانت العلاقات الاجتماعية قبل عصر التكنولوجيا تتسم بالدفء، والتراحم، والبساطة، حيث كان الناس يتواصلون وجهاً لوجه، ويزور بعضهم بعضاً دون تكلف، وكانت صلة الرحم حاضرة في الوجدان والسلوك، وكان التعاون المجتمعي عنوانًا بارزًا لكل المناسبات.
أما اليوم، ومع تطور منصات التواصل الاجتماعي بشكل متسارع، بدأنا نشهد تراجعًا ملحوظًا في عمق العلاقات الحقيقية. فبالرغم من توفر وسائل الاتصال الحديثة، إلا أن التواصل الإنساني الفعلي أصبح أقل حضورًا، واختُزلت صلة الرحم في رسائل نصية أو تعليقات سطحية، وغابت المجالس الدافئة التي كانت تجمع الأهل والأصدقاء.
لقد أفرزت هذه الأدوات الرقمية نوعًا جديدًا من العلاقات، يغلب عليها الطابع السريع والمختصر، ويقلّ فيها التفاعل الإنساني المباشر، كما باتت الخصوصية معرضة للذوبان في فضاء مفتوح، وأصبحت المظاهر تُقدَّم على المضامين، مما أحدث فجوة في منظومة القيم الاجتماعية.
لكن رغم هذا الواقع، فإن التكنولوجيا ليست عدواً بحد ذاتها، بل وسيلة يمكن توجيهها نحو البناء والتواصل الإيجابي إذا أحسنّا استخدامها. فهي تقرّب المسافات، وتختصر الوقت، وتمنح فرصًا للتواصل في ظروف قد لا تسمح بالتلاقي المباشر.
إن الحاجة اليوم ماسة إلى إعادة التوازن بين العالم الرقمي والعالم الواقعي، وتغليب الروابط الإنسانية الحقيقية على التواصل الافتراضي، حفاظاً على نسيجنا الاجتماعي وقيمنا الأصيلة التي شكلت عبر الزمن ركيزة متينة للمجتمع.