المسرى .. متابعات
اعداد : محمد البغدادي
يعود التظاهر الشعبي في البلاد الرافض لخطة تقترب من إقرار قانون (سانت ليغو) الى جانب قوى سياسية تصر على تطبيقه في الانتخابات التشريعية المقبلة، خصوصاً مع هيمنة المؤيدين للتعديل على البرلمان في مقابل قوة الشارع والاحتجاجات التي يمتلكها المعترضون.
مئات المحتجين في عدة محافظات وسط وجنوب البلاد (بغداد، وبابل، والديوانية، وواسط)، خرجوا مؤخرا ، في مظاهرات احتجاجية ، أغلقوا خلالها شوارع رئيسية عبر حرق الإطارات، وذلك في مؤشر على بوادر تصعيد شعبي لإرغام البرلمان على عدم إقرار تعديل قانون الانتخابات وإعادة عمل المجالس المحلية في المحافظات. كما أصدر ناشطون بيانات غاضبة مهددة بالتصعيد خلال الأيام القريبة المقبلة في حال أصرت القوى السياسية المهيمنة في البرلمان على تعديل القانون.
وذكر بيان صادر عن اللجنة المركزية في المحافظات المنتفضة، وهي: كربلاء، والنجف، وبغداد، وبابل، والديوانية، والسماوة، وذي قار، وواسط ” ما زالت أحزاب الفساد تتجاهل مطالب الشعب ومعاناته ونداءات المرجعية الدينية تجاه إقرار قانون انتخابات منصف وعادل”.
إياد علاوي : وصلنا اليوم للأسف إلى طريق يكاد يكون مسدوداً بسبب الكثير من العقبات التي تعيق استمرار العملية السياسية
وأشار البيان إلى أن ” غالبية المحافظات العراقية ستتخذ موقفاً موحداً بالتصعيد كخطوة أولية، فإن جنحوا لصوت الشعب فسنجنح للتهدئة، وإن استمروا بطغيانهم في تجاهل إرادة الشعب وحقوقه وآلامه ومعاناته، فمزيد من التصعيد، وليعلم جميع النواب أننا راصدون ومراقبون لكل مواقفهم.”
وتُبدي القوى المعترضة إصراراً مماثلاً على عرقلة التعديل. ويبدو أن الأيام المقبلة كفيلة بإثبات أرجحية أحد الطرفين على الآخر، خصوصاً مع هيمنة المؤيدين للتعديل على البرلمان في مقابل قوة الشارع والاحتجاجات التي يمتلكها المعترضون.
وكان الصدريون والقوى المتحالفة معهم، قد نجحوا في نهاية 2020، في تعديل قانون الانتخابات وإلغاء صيغة «سانت ليغو» ذات القائمة شبه المغلقة والدائرة الواحدة، بصيغة الدوائر المتعددة والقوائم المفتوحة. وبات من المعروف أن معركة المؤيدين والرافضين لتعديل قانون الانتخابات، تدور رحاها .
ويرى مشعان الجبوري النائب البرلماني السابق، الذي أُقصي من البرلمان الحالي بقرار قضائي، ، أن التعديل الحالي للقانون يستهدف تيار الصدر بشكل أساسي. وقال الجبوري في تصريحات صحافية، إن ” من أتى بالتعديل لاحظ ما حصلت عليه كتلة الصدر في الانتخابات الأخيرة (72 مقعداً)، وإذا ما اعتُمد القانون دون تعديل، فسيكرّر الصدر فوزه بحكم امتلاكه جمهوراً مطيعاً ومنضبطاً “.
وليس من الواضح بعد قدرة البرلمان الاتحادي على العودة إلى مناقشة قانون التعديل ، خصوصاً مع تقديم طلب من نحو 70 نائباً إلى رئاسة البرلمان بعدم التعديل، بالإضافة إلى تلويح التيار الصدري وبعض المتحالفين معه بالخروج في مظاهرات احتجاجية. ومع إضافة مطلب عدم عودة مجالس المحافظات المحلية إلى العمل من جديد بالنسبة إلى الجهات المعترضة على تعديل القانون، يرجّح بعض المراقبين أن تشهد الأيام المقبلة مزيداً من التوتر والتصعيد بين المؤيدين والمعترضين.
وكان مجلس النواب قد حل مجالس المحافظات التي يستند تأسيسها إلى الدستور، تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية في نهاية عام 2019 لامتصاص النقمة الشعبية التي غالباً ما تتهم المجالس بالفساد وضعف الأداء. ويُفترض أن يسمح التعديل الجديد على القانون بإجراء انتخابات المجالس المحلية في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
من ناحية أخرى، يعتقد إياد علاوي رئيس الوزراء الأسبق ، أن ” العزوف الكبير عن المشاركة في الانتخابات دليل على فقدان الثقة في النظام السياسي”. وقال علاوي، في رسالة وجهها، في وقت سابق ، إلى محمد شياع السوداني رئيس الوزراء ” كنا نطمح أن نعيش في عراق آمن مستقر، تتكرس فيه مفاهيم الديمقراطية ومبادئ العدالة وحقوق المواطنة التي تقوم على المساواة، بعد عملنا الدؤوب لإسقاط النظام الديكتاتوري والسعي لإنشاء نظام سياسي عادل”.
وأضاف ” وصلنا اليوم للأسف إلى طريق يكاد يكون مسدوداً بسبب الكثير من العقبات التي تعيق استمرار العملية السياسية والتي من المفترض أن تصل إلى بناء دولة الحكم الرشيد وتذليل العقبات، وتحقيق المساواة للمواطنين، والهيبة للوطن، وإعلاء سيادة القانون واستقلال القضاء”. وتابع، لقد فقد الشعب العراقي الكريم ثقته في العملية السياسية، وما الاحتجاجات السلمية التي بدأت منذ عام 2011 وآخرها (انتفاضة تشرين) عام 2019 التي تعرضت للقمع واستُشهد خلالها المئات وجُرح الآلاف من شبابنا من دون وجه حق، والعزوف الكبير عن المشاركة في الانتخابات، إلا دليل على فقدان الثقة، ومع ذلك فهناك بارقة أمل تحثّ على التغيير المطلوب”.
ولا يكاد الجدل السياسي يهدأ في العراق إلا ليعود ليطفو على السطح من جديد، وهذه المرة عبر بوابة مشروع قانون انتخابات “جديد- قديم” يناقشه البرلمان حاليا تمهيداً لإقراره خلال الأيام المقبلة.
مشروع القانون قيد الجدل يتعلق بعودة العمل بنظام “سانت ليغو” الانتخابي المعدل وفق قاسم انتخابي بنسبة 1.9 والذي سيعود بالعراق – في حالة إقراره من البرلمان- إلى العمل بنظام دائرة انتخابية واحدة لكل محافظة وإلغاء صيغة الدوائر المتعددة المعتمدة في القانون الحالي.
“تشتيت الأصوات”
في السياق، يشير مؤيدو القانون الى أن العراق محتاج اليوم للعودة إلى “سانت ليغو” بعد التجربة الانتخابية الأخيرة التي”أثبتت عدم نجاعة القانون الانتخابي المعمول به حاليا على مستوى المشاركة الانتخابية” يقول وائل الركابي العضو في ائتلاف دولة القانون في تصريح صحفي تابعه المسرى ، إن ” السجال السياسي الذي رافق الانتخابات الأخيرة مرده إلى عدم وجود “كتلة حقيقية تستطيع أن تشكل الحكومة بأريحية”، وهو الدور الذي يمكن أن يلعبه قانون “سانت ليغو” على مستوى تسهيل العملية السياسية في العراق على حد تعبيره. وفيما يتعلق بالانتقادات الموجهة للقانون والمتمثلة في إقصائه للأصوات المستقلة والكيانات الناشئة لصالح الكتل السياسية الكبرى،أضاف عضو ائتلاف دولة القانون ” أن مشاركة المستقلين أو ما يسمى بالأطراف الناشئة في العراق لم يكونوا موحدي الرؤى بل كانوا مشتتين ولم يكن لهم قرارٌ موحدٌ فيما يخص العملية السياسية وهو ما يستوجب العودة إلى قانون سانت ليغو الذي سيفضي إلى عملية سياسية صحيحة وعدم هدر الأصوات”.
عودة النقاش حول “سانت ليغو” أعاد الاحتقان إلى الشارع العراقي، بعد خروج مظاهرات رافضة لصيغة مشروع القانون المقترح. قوى سياسية ومدنية عبرت عن معارضتها للقانون أبرزها “التيار الصدري”، إلى جانب “قوى التغيير الديمقراطية”.
القانون الجديد بحسب المعارضين يخدم في صيغته الحالية الكتل السياسية الكبيرة، وهو مادفع إلى رفضه من قبل “احتجاجات تشرين” يقول مناف الموسوي مدير مركز بغداد للدراسات الاستراتيجية في تصريح تابعه المسرى ، إن “سانت ليغو” بصيغته العراقية لا يعبر عن رغبة الناخبين الحقيقية “وتضيع معه القيمة الأساسية للآلية الديمقراطية ، لافتا الى أن ” تدوير الأصوات في القائمة الانتخابية يفضي إلى وصول شخصيات إلى البرلمان لم تحصل على أصوات كافية” ، مستدركا الحديث ، أنه ” أدى خلال تجربته سابقا في العراق إلى العزوف عن صناديق الاقتراع وتسببت في أزمة ثقة بين الناخب والعملية الانتخابية ، على حد تعبيره.
وفي معرض رده عن النقطة المتعلقة بتشتيت الأصوات لدى مؤيدي عودة القانون، قال الموسوي: “إن المطالبة بعودة القانون يمثل صراعاً واضحاً بين الإرادة الحزبية التي تمثلها الكتل السياسية الكبيرة التي فشلت في إدارة البلاد وبين إرادة شعبية تريد تعزيز الديمقراطية وتريد الحفاظ على صوت الناخبين وإيصال ما يريده الناخب إلى قبة البرلمان”.
وفي حال إقرار البرلمان للقانون الجديد، سيمثل في نظر الكثيرين “انتكاسة وانقلاباً” على مكاسب الحراك الشعبي لعام 2019 والذي تمكن من إسقاط هذا القانون، في هذا السياق يقول سعدون الساعدي الباحث في العلاقات الدولية “إن الكتل السياسية الحالية تحاول العودة إلى العمل بهذا القانون لأنه يؤمن لها مقاعد إضافية في المجلس النيابي ويحرم المستقلين والفئات الناشئة من الحصول على مقاعد في البرلمان”.
وحول إمكانية تمرير هذا القانون في البرلمان العراقي، استبعد الساعدي هذه الفرضية في ظل معارضة التيار الصدري “على اعتبار أنه اللاعب الأساسي ويمتلك قاعدة جماهيرية واسعة”
تعتمد آلية “سانت ليغو” في توزيع أصوات الناخبين في الدول التي تعمل بنظام التمثيل النسبي على تقسيم أصوات التحالفات على الرقم 1.4 تصاعدياً، وفي هذه الحالة تحصل التحالفات الصغيرة على فرصة للفوز.في حين اعتمد القانون في العراق أول مرة عام 2014، لكن القاسم الانتخابي في البلاد اعتمد على الرقم 1.9 عوض 1.4هو ما يجعل حظوظ الكيانات السياسية الكبرى أوفر على حساب المرشحين الأفراد المستقلين والمدنيين والكيانات الناشئة.